
في خطوة وُصفت بالمفصلية، أصدر الرئيس السوري "أحمد الشرع" مرسوماً رئاسياً يُنهي العمل بجميع قرارات الحجز الاحتياطي على ممتلكات السوريين، التي صدرت خلال الفترة الممتدة من عام 2012 وحتى عام 2024.
المرسوم الذي يحمل الرقم (16) للعام 2025، يستهدف بشكل مباشر قرارات الحجز التي أصدرتها وزارة المالية السورية استناداً إلى توجيهات أمنية، والتي جرى تفعيلها بموجب المرسوم التشريعي رقم (63) الصادر عام 2012. وقد كُلّفت وزارات المالية والداخلية والعدل بتنفيذ الإجراءات اللازمة لرفع الحجز بشكل فوري وتسريع العملية القانونية المرتبطة بها.
رفع الظلم عن أصحاب الحقوق:
وزير المالية السوري "محمد يسر برنية" علّق على المرسوم بقوله إن تلك القرارات استندت إلى توجيهات "جائرة" من أجهزة أمنية ولم تُبْنَ على أسس قانونية أو أحكام قضائية واضحة. وأشار إلى أن المستهدفين من هذه الإجراءات هم مواطنون "كانوا داعمين للثورة السورية".
وأوضح الوزير أن ما يقرب من 91 ألف مواطن سوري حُرموا من ممتلكاتهم وأصولهم خلال السنوات الماضية، في خطوة وصفها بـ"الظالمة"، مؤكداً أن المرسوم الجديد يأتي في إطار سعي الدولة إلى "رفع الظلم" و"إعادة العجلة الاقتصادية إلى الدوران".
سياسة عقاب جماعي تحت غطاء قانوني
على مدار 14 عاماً، استخدمت السلطات السورية الحجز الاحتياطي كسلاح قانوني لتجريد المعارضين وعائلاتهم من ممتلكاتهم. وقد أفادت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" في تقرير صدر عام 2024، أن النظام أصدر قرارات حجز جماعية طالت ما لا يقل عن 817 مدنياً من بلدة زاكية بريف دمشق فقط، دون أي سند قضائي أو محاكمة.
وأكد التقرير أن هذه الإجراءات لا تستند إلى "معايير قانونية أو قضائية"، بل تأتي تنفيذاً لتوجيهات أمنية تهدف إلى معاقبة المدنيين جماعياً، وتجريدهم من ممتلكاتهم كأداة للضغط والانتقام.
موارد مالية وانتقام سياسي
وفقاً للتقرير الحقوقي ذاته، فإن قرارات الحجز لم تكن فقط وسيلة عقابية، بل شكّلت كذلك مصدر دخل إضافي للحكومة عبر مصادرة أموال وممتلكات خاصة، والتصرف بها لاحقاً، في تجاهل صارخ لحقوق الملكية الفردية والعدالة الاجتماعية.
وأشار التقرير إلى أن هذه السياسة شكلت نمطاً ممنهجاً من الانتهاكات التي طالت ليس فقط الأفراد بل عائلاتهم، عبر تقييدهم اقتصادياً واجتماعياً، في واحدة من أكثر أدوات الضغط السلطوي فعالية في السياق السوري.
ما بعد القرار: هل من إنصاف حقيقي؟
بالرغم من الترحيب بالمرسوم الرئاسي، إلا أن الأوساط الحقوقية ترى أن مجرد إلغاء قرارات الحجز لا يُعَدّ كافياً. فحتى اللحظة، لا يوجد ضمان حقيقي بتعويض المتضررين أو مساءلة الجهات التي صادرت ممتلكات الناس بشكل تعسفي.
ويظل السؤال مفتوحاً: هل يشكل هذا القرار بداية فعلية لتعويض الناس عما خسروه بسبب السياسات الأمنية والاقتصادية التي مورست خلال سنوات حكم النظام السابق، أم أنه مجرد خطوة شكلية تفتقر إلى الآليات القضائية والتعويضية اللازمة لإحقاق الحق؟
في سياق الإنصاف، يُمكن القول إن الحكومة الجديدة التي أعقبت سقوط نظام "بشار الأسد" تحاول معالجة إرث ثقيل من الانتهاكات والتجاوزات القانونية. ويأتي مرسوم إلغاء قرارات الحجز الاحتياطي كخطوة أولى في مسار تصحيحي طويل ومعقد، تتداخل فيه الاعتبارات الأمنية مع متطلبات العدالة الانتقالية.
ما يُحسب للحكومة الحالية هو الاعتراف الصريح بالظلم الذي لحق بعشرات الآلاف من المواطنين، والبدء بتفكيك بنية التشريعات التي شرعنت تلك الانتهاكات. كما أن إشراك وزارات العدل والداخلية والمالية في تنفيذ المرسوم يُشير إلى وجود إرادة سياسية فعلية، وليس مجرد إجراء رمزي.
ومع ذلك، فإن نجاح هذه الخطوة مرهون بمدى الالتزام بمبدأ جبر الضرر والتعويض، وضمان عدم تكرار الانتهاكات مستقبلاً، عبر بناء منظومة قانونية مستقلة، وقضاء نزيه، ومحاسبة شفافة لكل من تورّط في استخدام الحجز كوسيلة للانتقام أو الاستغلال المالي.
ختامًا فإن الطريق نحو العدالة ليس سهلاً، لكن الانطلاق منه بقرارات جريئة ومسؤولة، قد يمهد لبناء دولة تحترم الحقوق وتطوي صفحة الماضي بثقة وشجاعة.