سوريا أحق بأهلها… تسارع عودة السوريين من بلدان المهجر مع استثماراتهم وأموالهم

07/01/2025

يعايش المشهد السوري اليوم تحولاً لافتاً، حيث بدأ اللاجئون السوريون بالعودة إلى وطنهم بعد سقوط نظام "بشار الأسد"، في خطوة تعكس تطلعاتهم نحو حياة جديدة رغم التحديات الاقتصادية والمعيشية التي تلوح في الأفق.

وقد سجلت الإحصاءات عودة ما يقارب 40 ألف مواطن من تركيا منذ الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي، بالإضافة إلى عودة نحو 18 ألف لاجئ من الأردن وما يقرب من 10 آلاف آخرين من لبنان. هذه الأرقام تشير إلى بداية موجة العودة التي طال انتظارها، حيث يعود السوريون وهم يحملون أملاً في إعادة بناء وطنهم.

على الجانب الآخر، تُظهر الدول المضيفة قلقاً متزايداً بشأن التداعيات الاقتصادية لهذه التحولات، إذ يمكن أن يؤدي فقدان أيدي عاملة سورية إلى تأثيرات ملموسة على قطاعات عديدة كانت تعتمد بشكل كبير على مساهمة اللاجئين في اقتصاداتها المحلية.

عودة المهاجرين السوريين من تركيا:

بدأت موجة العودة الطوعية للسوريين من تركيا تأخذ منحى متصاعداً، مع حزم عشرات الآلاف من اللاجئين أمتعتهم للعودة إلى وطنهم. 

ووفقاً لرئاسة إدارة الهجرة التركية، تم تحديد خمسة معابر مخصصة لتسهيل إجراءات العودة للسوريين حاملي بطاقة الحماية المؤقتة (كيملك). كما أعلن وزير التجارة التركي، عمر بولات، أن نحو 40 ألف لاجئ عادوا إلى سوريا منذ سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي.

ورغم أن أعداد العائدين ما زالت ضئيلة مقارنةً بحجم اللاجئين السوريين في تركيا الذي يتجاوز 3 ملايين شخص، يُجمع خبراء أتراك على أن عودة السوريين قد تترك تأثيرات اقتصادية واسعة. فقد أصبحت العمالة السورية عنصراً أساسياً في تشغيل العديد من القطاعات، مثل النسيج والزراعة والعقارات، إضافة إلى مساهمتهم في زيادة الإنتاج والتصدير. ويشير رئيس مركز الفكر للدراسات الاستراتيجية في إسطنبول، باكير أتاجان، إلى أن الحكومة التركية تواجه توازناً دقيقاً بين تلبية دعوات المعارضة لعودة السوريين الطوعية، وبين الحفاظ على العمالة الماهرة والكفاءات العلمية التي أسهمت بشكل إيجابي في الاقتصاد التركي.

ويرجح أتاجان أن التأثير الاقتصادي لهذه التحولات سيبدأ بالظهور مع نهاية العام الدراسي وعودة ما يُقدر بمليون سوري خلال العام المقبل، مشيراً إلى أن حركة الأسواق وحجم الاستهلاك قد تشهد تغييرات جذرية. أما بالنسبة للمساعدات الدولية التي تلقتها تركيا لاستضافة اللاجئين السوريين، فقد شكك المحلل التركي في الرقم المتداول والبالغ 10 مليارات دولار، موضحاً أن هذا الرقم ربما أُقرّ من قبل الدول المانحة أو الاتحاد الأوروبي، لكنه لم يُصرف كاملاً للحكومة التركية.

اللاجئون السوريون في لبنان:

يشهد لبنان جدلاً متصاعداً بشأن ملف اللاجئين السوريين، حيث دعا رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، إلى ضرورة تسريع عودة السوريين إلى وطنهم. وخلال ندوة في روما، أكد ميقاتي أن اللاجئين السوريين يشكلون حوالي ثلث سكان لبنان، مطالباً المجتمع الدولي، وخاصة أوروبا، بالمساهمة في جهود التعافي الاقتصادي في المناطق الآمنة بسوريا لتشجيع العودة.

يستضيف لبنان نحو مليوني لاجئ سوري من أصل سكان يبلغ عددهم 5.8 ملايين نسمة، مما يجعله الدولة التي تتحمل أكبر عبء لاجئين بالنسبة لعدد السكان على مستوى العالم. وتشير التقارير إلى أن جزءاً كبيراً من اللاجئين دخلوا لبنان بطرق غير شرعية عبر الحدود البرية. ومع ذلك، شهد لبنان أيضاً حركة لجوء معاكسة بعد سقوط النظام السوري، حيث لجأ عدد من الموالين للنظام خوفاً من الانتقام في الداخل السوري.

ورغم الدعوات المتكررة للعودة، يعبر الكثير من اللاجئين عن مخاوفهم بشأن الوضع في سوريا. نوال، اللاجئة السورية المقيمة في لبنان منذ اندلاع الثورة، تقول إنها تحلم بالعودة لكنها غير قادرة على ذلك بسبب الدمار الذي حل بمنزلها في حلب وعدم توفر مأوى بديل. وأوضحت أنها تعيش حالياً مع عائلتها في غرفة صغيرة بضواحي بيروت، لكنها تخشى من تدهور الأوضاع الأمنية والمعيشية مجدداً.

من جهته، أحمد، لاجئ آخر، يعرب عن رغبته الشديدة في العودة إلى وطنه، لكنه يواجه تحديات اقتصادية تمنعه من اتخاذ هذه الخطوة. يقول أحمد، الذي يفضل عدم الكشف عن اسمه الكامل: "لا أريد أن أعود وأجد نفسي غير قادر على تأمين احتياجات أطفالي الأساسية".

في ظل هذه التحديات، يجد لبنان نفسه في موقف صعب، حيث تتداخل الاعتبارات الاقتصادية والاجتماعية مع الضغوط الدولية والمحلية. وعلى الرغم من التحولات السياسية في سوريا، يبقى استقرار الأوضاع الاقتصادية والبنية التحتية عاملاً حاسماً في دفع اللاجئين لاتخاذ قرار العودة.

اللاجئون السوريون في الأردن:

يُعد الأردن من أبرز الدول المستضيفة للاجئين السوريين، حيث يبلغ عددهم حوالي 1.3 مليون شخص، مما يشكل تحدياً كبيراً على الاقتصاد والبنية التحتية الأردنية. ورغم الظروف المعيشية والاقتصادية الصعبة التي يواجهها السوريون في الأردن، شهدت الأسابيع الأخيرة عودة الآلاف منهم إلى سوريا. ووفقاً لتصريحات وزير الداخلية الأردني مازن الفراية، عاد حوالي 18 ألف لاجئ سوري من الأردن إلى وطنهم منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024 وحتى نهاية الشهر نفسه.

في ظل هذه التطورات، تبدي الحكومة الأردنية قلقاً متزايداً بشأن تراجع التمويل الدولي المخصص لدعم خطط الاستجابة لأزمة اللاجئين السوريين. وتظهر البيانات الصادرة عن وزارة التخطيط والتعاون الدولي الأردنية أن متطلبات خطة الاستجابة تصل إلى 22.1 مليار دولار، فيما بلغ عجز التمويل حوالي 11.8 مليار دولار، بنسبة 54.1%. كما تشير الأرقام إلى انخفاض كبير في تمويل الخطط السنوية، حيث قُدر تمويل خطة عام 2024 بنحو ملياري دولار فقط، وهو الأدنى منذ بدء الأزمة في 2015.

مع تراجع الدعم الدولي وقلة فرص التشغيل في السوق الأردني الذي يعاني من معدل بطالة يصل إلى 21.5%، تواجه الأسر السورية أوضاعاً معيشية صعبة. وقد حذرت منظمات أممية وإغاثية من ارتفاع نسبة الفقر بين اللاجئين السوريين في الأردن إلى أكثر من 67%، مع تفاقم انعدام فرص العمل ومحدودية الموارد المتاحة.

تشير الحكومة الأردنية إلى أن استمرار تراجع الدعم الدولي قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية والاقتصادية داخل الأردن. ومع عدم وجود مؤشرات واضحة على عودة كبيرة للسوريين إلى وطنهم في المستقبل القريب، يبقى الأردن في موقف معقد، يحاول فيه الموازنة بين التزامه الإنساني تجاه اللاجئين، وضغوطه الاقتصادية والاجتماعية المتزايدة.

شارك رأيك بتعليق

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات متعلقة: