باشرت سوريا برسم ملامح جديدة لاقتصادها، الذي يركّز على الإنتاج وتحسين مستوى معيشة المواطنين. فعلى سبيل المثال، في المدينة الصناعية بحلب، التي عادت إليها الحياة بعد سقوط نظام "بشار الأسد"، يقول المدير العام للمدينة "شحود عبد العزيز"، إن هناك 960 منشأة أصبحت جاهزة للإنتاج.
وهكذا فإن حلب، العاصمة الاقتصادية لسوريا، أصبحت محط أنظار الجميع لتكون المحرّك الأساسي للصناعة الوطنية ودعم الصادرات. هذه المدينة، التي تُعد شريان الاقتصاد السوري، يُعوَّل عليها في قيادة مسيرة الإنعاش الاقتصادي بعد تولي إدارة جديدة زمام الأمور في البلاد إثر سقوط النظام السابق.
تقع المدينة الصناعية لحلب في منطقة الشيخ نجار، شمال شرقي المحافظة، على بُعد نحو 15 كيلومتراً، وتتمتع بموقع استراتيجي يسهّل المواصلات البرية ويربطها بشبكة السكك الحديدية، إضافة إلى قربها من الحدود التركية. ومع تعيين إدارة جديدة للمدينة في 3 ديسمبر/كانون الأول الجاري، عقب عملية "ردع العدوان" التي حررت المدينة، انطلقت مرحلة سياسية واقتصادية جديدة في سوريا بعد حكم فاسد دام نحو ربع قرن.
وخلال السنوات التي أعقبت اندلاع الثورة السورية في 2011، تعرضت حلب ومدينتها الصناعية لعمليات نهب وسرقة، فضلاً عن تعطل الإنتاج في كثير من الأحيان بسبب الظروف الأمنية المضطربة.
أما الآن فقد عاد نحو 50% من مصانع المدينة الصناعية بحلب إلى العمل، بحسب تصريحات المدير العام للمدينة "شحود عبد العزيز"، في حديثه مع صحيفة "العربي الجديد".
وأوضح "عبد العزيز" أن المدينة الصناعية، التي تأسست عام 2004 وتمتد على مساحة 4412 هكتاراً، مقسّمة إلى ثلاث فئات بحسب نوع الصناعة: الغذائية، الكيميائية، الهندسية، والنسيجية. وأشار إلى أنه عند تسلّم الإدارة الجديدة لم تكن نسبة المصانع العاملة تتجاوز 10%، ولكن خلال أسبوعين فقط ارتفعت إلى نحو 50%.
وبيّن أن المنشآت العاملة حالياً هي تلك التي تتوفر فيها المواد الأولية والآلات الجاهزة للإنتاج، فيما البقية تتنوع بين أراضٍ تم شراؤها من قبل الصناعيين، أو أبنية قيد الإنشاء، أو أراضٍ لم تُستغل بعد.
وأضاف "عبد العزيز"، وهو مهندس متخصص في غزل النسيج وحاصل على ماجستير في هندسة المعادن، أن إعادة تشغيل المدينة الصناعية جرى التخطيط له منذ قرابة عام في إدلب. الخطة، التي قُسّمت إلى ثلاث مراحل، تهدف إلى تقليل الأخطاء على المستويات الأمنية والاجتماعية والحكومية، مع التركيز على تحسين أداء المؤسسات والفعاليات التي تدعم المدينة الصناعية في كافة المجالات.
التحديات وأبرز الخطوات المستقبلية:
أوضح "عبد العزيز" أن أبرز التحديات التي تواجه المدينة الصناعية حالياً هي توفير الكهرباء بشكل مستمر للمصانع. فحالياً، التغذية الكهربائية متوفرة من التاسعة صباحاً حتى الخامسة مساءً، لكن الجهود جارية، بدعم من الحكومة السورية المؤقتة، لتوفير الطاقة على مدار الساعة.
وأشار إلى أن موارد الطاقة في سوريا تتركز غالباً في المناطق الشرقية التي لا تخضع بالكامل لسيطرة الحكومة المؤقتة، إضافة إلى سد الفرات وسد تشرين اللذين ينتجان الطاقة الكهربائية.
وأكد أنه إذا استمرت التحديات في تأمين الطاقة، قد يتم اللجوء إلى استيراد الكهرباء من تركيا، على الرغم من أن هذه الخطوة ستزيد من تكاليف الإنتاج الصناعي. كما يتم دراسة إمكانية التعاون مع مصفاة حمص لتأمين مصادر بديلة للطاقة.
تحسين البنية التحتية والخدمات:
فيما يتعلق بالخطط القريبة، أشار "عبد العزيز" إلى أن الجهود تركز حالياً على تحسين الخدمات الأساسية، مثل توفير الكهرباء، تعزيز شبكة الاتصالات، خدمات الإطفاء، والنظافة، وتأمين مياه الشرب والصناعة.
كما أُزيلت بعض العقبات المتعلقة بهذه الجوانب، مع توقع حل جميع المشكلات المتعلقة بالطاقة والبنية التحتية خلال فترة تتراوح بين شهرين إلى ثلاثة أشهر. على أن يكون الهدف الأساسي للإدارة الجديدة هو إعادة الهيكلة القانونية والتنظيمية بما يخدم الصناعيين ويضمن استمرار عجلة الإنتاج في المدينة الصناعية بحلب.
أما فيما يتعلق بتوفير الخدمات وتسهيلات الاستثمار في المدينة الصناعية بحلب، أوضح المدير العام أن المدينة تقدم أراضٍ بمساحات متنوعة للمستثمرين الصناعيين، سواء كانوا سوريين أو من جنسيات أخرى.
وعملية التملك تبدأ من مبنى "النافذة الواحدة"، وهي نقطة تجمع جميع الخدمات الإدارية اللازمة، حيث يمكن للمستثمر التملك بسهولة بمجرد حضوره شخصياً أو من خلال وكيله القانوني. إذ يُطلب من المستثمر دفع سلفة بنسبة 20% من قيمة الأرض، مع إمكانية تقسيط المبلغ المتبقي على سبع سنوات، أو دفع المبلغ كاملاً نقداً.
بعد الحصول على الأرض، تبدأ مراحل استصدار رخصة البناء، يليها تجهيز المنشأة بالآلات والمواد الأولية، التي يمكن توفيرها عبر إجازات استيراد تُستخرج من خلال النافذة الواحدة. النافذة تضم أيضاً ممثلين عن المالية والجمارك والمصرف الصناعي لتسهيل الإجراءات.
استراتيجية عودة الصناعيين والمغتربين:
أكد "عبد العزيز" أن الهدف الاستراتيجي للإدارة الجديدة هو استقطاب الصناعيين والمستثمرين السوريين الذين غادروا البلاد إلى تركيا ومصر ودول المهجر.
وذكر أن ثلاثة صناعيين سوريين مقيمين في تركيا تواصلوا مع إدارة المدينة، حيث أعرب أحدهم عن نيته استيراد آلات صناعية لمقسمه، بينما يرغب الآخرون بشراء أراضٍ جديدة. كما أعرب أحد المستثمرين السوريين المقيمين في الإمارات عن رغبته بالاستثمار في المدينة الصناعية من خلال شراء مقسم لبدء مشروعه.
خطط للتوسع ومعالجة التحديات السابقة:
أشار "عبد العزيز" إلى أن المساحة الحالية للمدينة الصناعية قد لا تكون كافية في المستقبل، ما يتطلب خططاً للتوسع. ولفت إلى أن القوانين والإجراءات الجديدة ستُصمم لتكون أكثر ملاءمة لجذب الاستثمار الصناعي، مقارنة بالفترة السابقة تحت حكم النظام السابق. في ذلك الوقت، كانت المدينة تواجه تحديات كبيرة، مثل البيروقراطية، الرسوم الضريبية والجمارك المرتفعة، وموافقات الفروع الأمنية. كما كانت تدخلات الفرقة الرابعة بالحرس الجمهوري تشكل عبئاً على الصناعيين، حيث كانت تفرض إتاوات ورشاوى تصل إلى 20%-30% من أرباحهم، ما جعل بيئة الاستثمار مرهقة وغير جاذبة.
إصلاحات لتعزيز الاستثمار والتشغيل:
أوضح "عبد العزيز" أن المرحلة المقبلة ستشهد إصدار قوانين جديدة، تركز على جذب المستثمرين وتبسيط الإجراءات بعيداً عن أي قيود تعيق العمل الصناعي.
وأشار إلى نجاح التجربة في المدينة الصناعية في باب الهوى بإدلب، حيث لم تُفرض أي ضرائب على الصناعيين، مما جذب العديد من المستثمرين السوريين في الخارج.
وأكد أن هذه السياسة يمكن أن تعزز الإنتاج المحلي وتحد من الاعتماد على الاستيراد، إضافة إلى توفير فرص العمل وتقليل البطالة، مما يسهم في دفع عجلة التنمية الاقتصادية في سوريا.