تسببت موجة الهجرة الكبيرة للحرفيين و "شيوخ الكار" من سوريا بترك فراغٍ كبير في السوق المحلي، ما أتاح الفرصة للمتسلقين على المهن لملء هذا الفراغ، إذ تكاثر الهواة والمحتالون الذين يتصف عملهم بقلة الجودة وسوء الإتقان.
من جهة أخرى أيضًا، وبسبب سوء الأوضاع المعيشية والاقتصادية، بات تركيز الشباب منصباً على الكسب السريع، حيث اضطر الكثير إلى ترك التعليم والتطوير الفني والدخول في سوق العمل مباشرة رغم عدم امتلاكهم الخبرة المهنية الكافية.
أما عن الحرفيين المهرة فيرون بالخارج فرصًا لكسب أضعاف ما يكسبونه في سوريا، وللتخلص من تضييقات الحكومة وتضارب القرارات الاقتصادية وسياسات الجباية، مما يؤثر سلباً على جودة الإنتاج المحلي ويضع تحديات جديدة أمام السوق السورية.
في ظل غياب الخبراء يتكاثر المحتالون والهواة:
أشار الأستاذ الجامعي "محمد عكار" إلى انتشار ظاهرة "صيد الزبائن بطرق غير أخلاقية وملتوية"، واصفاً هذا الحال بأنه أصبح "موضة وشطارة لبعضهم، وانتحال المهن شغلة من لا عمل له"، وفقاً لما نقلت صحيفة "تشرين" التابعة للحكومة السورية.
وأكد "عكار" أن بعضهم يلجأ إلى الاحتيال والتلاعب في العمل المهني، مما يشوه سمعة المهن التقليدية، موضحاً أن هذا السلوك يؤثر سلباً على المجتمع ككل ويضر بالثقة المتبادلة بين المهنيين و زبائنهم.
وأضاف: "لكن هذا السلوك لا يفرق كثيراً عن النصب والاحتيال، إذ لهما أوجه كثيرة وانتحال المهن أحدها، حيث يشكل هذا السلوك آفة اجتماعية خطيرة تؤدي إلى تخريب سمعة المهن واستنزاف ثقة الناس، والأفراد الذين يلجؤون إلى مثل هذه الأساليب لا يفكرون في الضرر الذي يلحقونه بالمجتمع برمته، بل يسعون فقط لتحقيق مكاسب فورية على حساب سمعة ونزاهة المهنة".
وفي هذا السياق، نقلت الصحيفة عن شخص يدعى "أبو سليم" كيف دفع مبلغاً كبيراً وصل إلى 550 ألف ليرة سورية لصيانة تلفازه، إلا أنه تعطل بعد أيام واكتشف أن القطعة التي استبدلت كانت مقلدة.
كذلك ذكرت سيدة تدعى "حنان" حالة مشابهة، إذ تعرضت لخداع عند إصلاح خلاط المياه، فبعد أن أكد صاحب المحل أن الخلاط الخاص بها لا يمكن إصلاحه اضطرت لتركيب آخر بلاستيكي رخيص الثمن، وبعد أيام اكتشفت بالمصادفة أن خلاطها معروض للبيع في المحل ذاته بسعر 175 ألف ليرة.
مكافحة انتحال المهن:
أكدت الدكتورة في التربية والإرشاد الأسري "مريم الحاج عثمان"، على ضرورة التوعية والتعليم لمكافحة انتحال المهن، إلى جانب فرض الرقابة الحكومية ووضع ضوابط وسياسات لتنظيم المهن بشكل أفضل، ودعم المهنيين المتميزين وتحفيزهم باعتبار أن ذلك يشكل جزءاً من الحل.
كذلك شددت على أهمية أن تقوم "نقابة الحرفيين" بدورها في "ردع من يتعدى على مهنة ليست من اختصاصه، بالإضافة للرقابة والتحكيم من قبل المنظمات الحكومية بعرض القضايا المتعلقة بالمهنة".
من جهته، أكد رئيس اتحاد حرفيي دمشق "علي قرمشتي" على ضرورة وجود "رخصة مزاولة المهنة"، والتي تُمنح من الجمعيات المختصة بعد التصديق عليها من قبل "الحرفي المعلم"، مشيراً إلى أن "هذه الشهادات معترف بها عالمياً".