بات الارتفاع التاريخي لأسعار الذهب - على المستوى المحلي والعالمي - هو حديث الساعة في المحافل الاقتصادية، وحتى بالنسبة للعامة، إذ شهد المعدن الثمين في سوريا ارتفاعًا غير مسبوق.
وارتفاع أسعار الذهب في سوريا هذه المرة طال حتى التسعيرة الرسمية، حيث سجلت تسعيرة جمعية الصاغة لغرام الذهب عيار 21 قيراط وللمرة الأولى سعر 907 آلاف ليرة، مرتفعاً 14 ألف ليرة سورية للغرام الواحد عن السعر الذي سجله الخميس الفائت.
ووفقاً للنشرة الصادرة عن الجمعية الحرفية للصياغة وصنع المجوهرات والأحجار الكريمة بدمشق اليوم، سجل غرام الذهب عيار 21 سعر 907 آلاف ليرة وسعر شراء 906 آلاف ليرة، على حين سجل الغرام عيار 18 سعر مبيع 777429 ليرة وسعر شراء 776429 ليرة.
وحددت الجمعية سعر مبيع الأونصة عيار 995 بـ32 مليوناً و875 ألف ليرة، وسعر مبيع الليرة الذهبية عيار 21 بـ7 ملايين و535 ألف ليرة.
تعقيبًا على ذلك، صرّح نائب رئيس الجمعية الحرفية للصاغة بدمشق "إلياس ملكية"، في حديثه لصحيفة محلية، أن هذه المرة الأولى التي يسجل بها غرام الذهب المحلي هذا الارتفاع، معيداً ذلك إلى ارتفاع أسعار الذهب عالمياً.
ولفت "ملكية" إلى انخفاض الإقبال على شراء الذهب في الوقت الحالي وتراجع حجم المبيعات اليومي مقدراً المبيعات اليومية في دمشق بحوالي كيلو إلى 2.5 كيلو ذهب.
ارتفاع أسعار الذهب عالميًا:
أما عالمياً سجل المعدن الثمين مستويات قياسية خلال خمس جلسات تداول متتالية، حيث وصل إلى ذروة بلغت 2330.5 دولار للأونصة عند إغلاق يوم الجمعة، ويمثل ذلك زيادة بنسبة 12.95 بالمئة منذ بداية العام.
وقد دفع الارتفاع المثير للإعجاب في أسعار الذهب نيكي شيلز، رئيس إستراتيجية المعادن في مصفاة الذهب السويسرية MKS PAMP، إلى مراجعة توقعاتها لمتوسط سعر الذهب لعام 2024 بالزيادة بمقدار 150 دولاراً ليصل إلى 2200 دولار للأونصة.
وما يزال المحللون متفائلين بشأن آفاق الذهب، وأشار محللو شركة Marex إلى صعوبة التنبؤ بذروة السوق حيث لا توجد مستويات مقاومة واضحة على الرسوم البيانية.
وفي هذا السياق، نقلت "رويترز" عن المحلل لدى "إيه سي واي للأوراق المالية" لوكا سانتوس قوله إن "الذهب سيستمر في الارتفاع مع تراجعات طبيعية"، مشيراً إلى أن انخفاض الدولار في ظل توقعات المستثمرين بأن يخفض مجلس الاحتياطي الاتحادي الفائدة هذا العام وعدم اليقين الاقتصادي وتصاعد التوترات في الشرق الأوسط عوامل شكلت قوة دافعة للأسواق وعلى رأسها الذهب.
ويسجل المعدن النفيس مكاسب للأسبوع الثالث، مدعوماً أيضاً بعمليات شراء قوية من جانب البنوك المركزية وطلب من الصناديق المواكبة لاتجاهات السوق، فيما يتحول التركيز الآن إلى بيانات الوظائف غير الزراعية في الولايات المتحدة لشهر مارس/آذار، والتي قد تعطي المزيد من المؤشرات بشأن التوقيت الذي سيبدأ فيه البنك المركزي الأمريكي بخفض الفائدة.
ويقول رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي "جيروم باول"، إن البنك لديه الوقت لإجراء المزيد من المداولات بشأن أول خفض للفائدة، نظراً لقوة الاقتصاد وقراءات التضخم التي صدرت في الآونة الأخيرة وجاءت مرتفعة.
لكن آراء الخبراء تتباين حيال أسباب الارتفاع القياسي المتواصل لسعر الذهب، لدرجة أن كبير المحللين في مجموعة "سوليت" لتجارة الذهب "ماركوس بلاشتزوك"، اعتبر في حديث مع خدمة "إيه أردي" الألمانية الإخبارية، أن الخلفية لا تزال غامضة وتغير النمطية في الأسعار غير واضح، مستشهداً، من بين أمور أخرى، بالمشتريات المادية القوية من جانب الصين كتفسير محتمل لانحسار العرض في الأسواق، الأمر الذي يجعل الذهب أكثر تكلفة.
وفي السياق، بيّنت أحدث البيانات الصادرة عن "مجلس الذهب العالمي" أن البنوك المركزية واصلت زيادة حيازتها من الذهب للشهر التاسع على التوالي، وحيث سجلت مشتريات مرتفعة بشكل غير عادي من الذهب في كل من الصين والهند وكازاخستان حتى أن الطلب وصل بالفعل إلى 1037 طناً، وهي ثاني أعلى قيمة له. وكل ذلك من أجل حماية تلك الدول نفسها من عقوبات محتملة، حيث يمكن استخدام المعدن النفيس والتصرّف به، وبالتالي تعزيز عملاتها الوطنية.
يُضاف إلى ذلك، وفقاً للخبراء، احتمال انخفاض أسعار الفائدة على أنه أعلى محرك لارتفاع الذهب، وحيث التوقعات بأول انخفاض لأسعار الفائدة من جانب البنكين المركزيين الأميركي والأوروبي في يونيو/حزيران المقبل.
من جهة ثانية، يبرز عامل مهم يعكسه تدهور الوضع الجيوسياسي في منطقة الشرق الأوسط والتي كان من أحدثها الغارة الجوية الإسرائيلية على القنصلية الإيرانية في سورية، وهذا ما أدى إلى زيادة الطلب على الاستثمارات التي تُعتبر آمنة مثل الذهب، فضلاً عن الوضع المتأزم أساساً في أوكرانيا، كما المخاطر الاقتصادية في الصين التي تعمل على زيادة الطلب على ما يسمى "الملاذات الآمنة".