حالة من التخبط والتأرجح بين الركود والانتعاش أصبحت معهودةً ومكررة يعيشها سوق العقارات في سوريا، وبغض النظر عن المعطيات فإن الجميع سيتفق أن العرض دائمًا ما يفوق الطلب بكثير.
في الوقت نفسه، يشهد البناء المخالف انتشارًا لافتًا في المناطق المنظمة وغير المنظمة، على الرغم من صدور مرسوم يمنع بناء أي عقارات مخالفة منذ عام 2012 ويوجه بتدمير أي بناء مخالف بغض النظر عن وضعه.
ويبرر مقاولون، تواصل معهم "تلفزيون سوريا"، هذا الظاهرة بارتفاع تكاليف تراخيص البناء النظامية، حيث أدى رفع رسوم التراخيص بنسبة تفوق 200% وفقًا للقانون 37 الصادر العام الماضي إلى زيادة بناء المخالفات.
وفي هذا السياق، تعاني مدينة دمشق من غمر العشوائيات، وقد تجد منزلاً بسعر مليار ومئتي مليون ليرة سورية في منطقة بدمشق قريبة على منطقة عشوائيات يكاد لا يتجاوز سعر المنزل فيها 200 - 350 مليون ليرة فقط.
ويتجه بعض المستثمرين إلى شراء عقارات في المناطق العشوائية توقعًا لارتفاع قيمتها مستقبلًا.
وزاد الطلب على المنازل في العشوائيات، خاصةً بعد اضطرار أصحاب المنازل في تلك المناطق لبيعها بأسعار أقل من قيمتها طمعاً بالهجرة، وهو ما أحدث بحسب بعض المقاولين، نوعاً من الانزياح الديمغرافي، حيث تسعى الأسر الفقيرة للهجرة من سوريا بينما تتجه الطبقة المتوسطة للنزوح إلى المناطق العشوائية.
25 مليون ليرة سعر متر البناء "قيد الإنشاء" في أحياء طرطوس الراقية:
تُظهر مدينة طرطوس حركة عمرانية لافتة، رغم الجمود الذي يعتري القطاع نتيجةً للارتفاع الكبير في أسعار العقارات، التي تتأثر بارتفاع غير مسبوق في تكاليف مواد البناء مثل الحديد والإسمنت، بالإضافة إلى ارتفاع تكلفة العمالة وغيرها من المستلزمات.
هذا الارتفاع يجعل عملية شراء عقار، حتى لو كان قيد الإنشاء، أمرًا صعبًا للغاية، خاصة بالنسبة للأفراد ذوي الدخل المحدود.
على سبيل المثال، في منطقة طرطوس الجديدة قرب أوتستراد 8 آذار، تظهر البرجيات الحديثة الفارغة، إلى جانب البرجيات والمقاسم التي تخضع لعمليات الإنشاء بالعشرات. وتظل حركة البناء نشطة، حيث تتفاوت الأسعار بين 8 مليون للمتر في طرطوس الجديدة وشارع عدنان غانم، وتصل إلى 25 مليون ليرة للمتر في الأحياء الراقية مثل حي الحمرات. مما يعني تجاوز العقارات لعتبة 4 مليارات ليرة في حال كانت مساحتها 200 متر مربع.
بينما يؤكد غالبية أصحاب المكاتب العقارية على وجود جمود كبير وانخفاض حاد في عمليات البيع والشراء. حيث تقتصر عمليات الشراء بشكل رئيسي على المغتربين وأصحاب المهن البحرية، فيما تتقاطع عمليات البيع مع حالات الضرورة، سواء كانت بداعي السفر أو الحاجة الماسة للنقود.
ويلجأ الكثيرون إلى بيع عقاراتهم في المناطق الباهظة من المدينة، سواء لشراء منزلين في مناطق الضواحي القريبة أو للاستثمار في المناطق غير النظامية.
أما فيما يخص حركة البناء الفعّالة التي تشهدها المدينة، فيرى أصحاب المكاتب العقارية أن استثمار العقارات يُعَدّ الأكثر أمانًا وأقل خطورة في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة.