مع الانهيار الأخير لليرة السورية مقابل الدولار، تزايد الحديث عن احتمالية اللجوء لبعض الإجراءات الاقتصادية التي عادة ما تفعلها الدول في هكذا ظروف، مثل تعويم العملة أو حذف الأصفار.
في هذا الموضوع، تقول الباحثة الاقتصادية الدكتورة "رشا سيروب" إن تحديد سعر الصرف يكون بناء على نظام الصرف الذي تتبعه الدولة؛ وتشير اﻟﺘﺠﺎرب الدولية إﻟﻰ أنه ﻻ يوجد معيار ﻣﺤدد لعملية ﺗﺒﻨﻲ ﺳﻌﺮ اﻟﺼﺮف ﻣﻦ الدول، ﻛﺄن ﻧﻘﻮل إن الدول الغنية ﺗﺘﺒنى ﻧﻈﺎم ﺳﻌﺮ ﺻﺮف مرن، أو إن الدول الفقيرة ﺗﺘﺒﻨﻰ ﻧﻈﺎم ﺳﻌﺮ ﺻﺮف ثابت.
وبحسب "سيروب"، يشير التقرير الاقتصادي العربي الموحد إلى أن عدد الدول العربية التي تتبع نظام الصرف الثابت هي 13 دولة من بينها سورية ولبنان والأردن، وبالنسبة لسورية فإنها تثبت الليرة السورية مقابل حقوق السحب الخاصة، بينما يثبت لبنان سعر الليرة اللبنانية مقابل عملة الدولار الأميركي. وتطبق 6 دول عربية نظام الصرف الموجه منها مصر وتونس والجزائر، ويوجد دولة عربية واحدة تطبق نظام الصرف العائم وهي اليمن.
أما تعويم الليرة السورية أو تحريرها، فيعني تطبيق نظام الصرف المرن كما أكدت "سيروب"، بحيث يتحدد سعر الصرف بناء على العرض والطلب.
هل يمكن حقًا تعويم الليرة السورية؟
هنا تلفت الباحثة إلى أنه للتعويم متطلبات من أهمها وجود وفرة في الاحتياطي الدولي من العملات الأجنبية والذهب كي يتمكن المصرف المركزي من التدخل كبائع للعملات الأجنبية (ضخ حاجة السوق من القطع الأجنبي) عند حدوث تذبذب غير مقبول في سعر صرف العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية.
ذلك فضلاً عن أن التعويم يتطلب وجود سوق للنقد الأجنبي على درجة كافية من السيولة والكفاءة تسمح باستجابة سعر الصرف لقوى السوق، ويعمل على تخفيض عدد موجات التقلب المفرط.
ويتألف سوق النقد الأجنبي من سوق لتداول العملة بالجملة بين الوسطاء المعتمدين (عادة المصارف والمؤسسات المالية)، وسوق للتداول بالتجزئة حيث تتم المعاملات بين الوسطاء المعتمدين والعملاء النهائيين (الأفراد والشركات).
وحالياً، باعتبار أن الطلب على الدولار الأميركي مرتفع جداً ولا يوجد قدرة على ترميم المستنزف من الاحتياطي نتيجة ضآلة الصادرات وضعف السياحة وعدم القدرة على الاقتراض من المؤسسات الدولية أو الدول بسبب العقوبات الدولية، وفي ظل فقدان الثقة بالليرة السورية، كل ذلك أفقد مصرف سورية المركزي السيولة الدولارية التي يحتاجها لمواجهة المضاربة على الليرة السورية، بالتالي فإن التعويم يعني مزيداً من انهيار سعر صرف الليرة السورية إلى مستويات لن تتمكن الدولة من ضبطها.
إذا كانت فرضية التعويم مستبعدة ماذا عن حذف الأصفار؟
توضح "سيروب" أن حذف الأصفار ليس سياسة اقتصادية، بل هو مجرد إجراء فني تقني يتمثل بالتخلي عن عملة قديمة وظهور عملة جديدة، بالتالي نجاح تطبيقه مرهون بـنجاعة السياسات الاقتصادية التي تترافق أو تسبق هذا الإجراء الفني.
وأظهرت التجارب الناجحة للدول التي لجأت لهذا الإجراء بأن أفضل وقت للتنفيذ هو بداية النمو الاقتصادي بعد معالجة مسببات التضخم المتمثلة في زيادة الإنتاج المحلي والصادرات واستقرار سعر الصرف والحد من المستوردات، ودون ذلك سيعود التضخم أقسى من السابق وستظهر مشكلة الأصفار من جديد.
وباعتبار أن الاقتصاد السوري لم يبدأ بعد بالتعافي مع ارتفاع مستمر ومزمن في الأسعار وعدم استقرار في سعر صرف الليرة السورية، إضافة إلى الإفراط في المعروض النقدي الناجم عن سياسة التمويل بالعجز، فضلاً عن غياب وضعف الثقة في أي قرار حكومي، لهذا لن يكون قرار إزالة الأصفار من الليرة السورية غير فعال فقط، بل سيكون مجازفة خطيرة للاقتصاد، وسيتفاقم الوضع الاقتصادي ليصبح أكثر سوءاً.