لطالما كانت تجربة الدول العربية مع صندوق النقد الدولي جديرة بالنظر، كون هذه البرامج لا تؤدي إلى انتشال الاقتصادات العربية من مشكلاتها. فمثلا تجارب (الأردن والمغرب وموريتانيا واليمن) هي مجرد برنامج ينتهي يعقبه الدخول في برنامج جديد للحصول على قروض، ولم يمثل هذا مخرجا لهذه الدول من مشكلاتها الاقتصادية.
ويعد ما حدث لمصر وتونس مع صندوق النقد من الحالات المزمنة، حيث تعانيان من أزمات تمويلية عميقة، لم تفلح معهما قروض هذا الصندوق التي حصلا عليها.
كما أن الملاحظة الجديرة بالانتباه أن برامج "النقد الدولي" لم تغير إيجابيا من التصنيف التنموي لأي دولة عربية. ويكفي مثلا أن مصر أصبحت ثاني مقترض من هذا الصندوق على مستوى العالم، على الرغم من انتظامها في برامج للإصلاح الاقتصادي منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2016، أي على مدار 6 سنوات.
هذه المعطيات السلبية الواضحة تطرح سؤالًا واحدًا أساسيًا:
لماذا لم تنجح برامج الصندوق الدولي مع العرب؟
تناولت وكالة "الجزيرة" هذا الموضوع، وحاولت تفسيره من جوانب عديدة، بعضها يتصل بالأوضاع الاقتصادية، وسوف نركز بهذه السطور على الأسباب الاقتصادية:
غالبية الدول العربية، التي اعتادت على الحصول على قروض ومساعدات من صندوق النقد، جعلت منها أصلا لعلاج مشكلاتها، وفي الحقيقة هي مجرد مسكنات، وقد ظهر خطأ هذا السلوك بشكل كبير في حالتي مصر وتونس، حيث كشفت أزمتاهما عن مشكلات جذرية، وأن الحلول الحقيقية لم يتطرق إليها بعد.
ثم لدينا مسألة استمرار نهج الاقتصادات الريعية بالدول العربية جميعا، النفطية منها، وغير النفطية التي اعتمدت على السياحة وتحويلات العاملين بالخارج، وتصدير المواد الأولية. بينما معادلة النشاط الإنتاجي، والدخول في مراحل القيمة المضافة بقطاعي الصناعة والزراعة لا يتم الاقتراب منها.
وأيضًا فلا ننسى غياب المساءلة والرقابة على النشاط الاقتصادي بنسب متفاوتة في كل الدول العربية، لذلك لا يتم التصرف في الموارد الاقتصادية المتاحة بطريقة سليمة، ولعل وضع هذه الدول المتراجع على مؤشر مدركات الفساد، أو الحرية الاقتصادية، أو عدالة القضاء، يوضح لنا حقيقة الأمر.
وهكذا، فلم تؤد برامج "النقد الدولي" إلى تحسين أوضاع الاقتصادات العربية الموقعة لاتفاقيات مع هذا الصندوق إلى صلابة أوضاعها في مواجهة التقلبات الاقتصادية الدولية، كما حدث بأزمتي كورونا والحرب الروسية على أوكرانيا، بل أظهرت الأزمات المزيد من تبعية هذه الاقتصادات للخارج، وتعرض مواطنيها لأوضاع تعرض أمنها الغذائي للخطر، وزيادة معدلات الفقر.
وتوصل تقرير الوكالة في الختام إلى نتيجة مفادها أن الإصلاح بالدول العربية ليس مستحيلا ولا صعبا، فهناك دول كانت لها نفس الظروف استطاعت أن تنتقل إلى مصاف الدول الصاعدة. والأمر يحتاج إلى:
- حسن توجيه بوصلة الإصلاح الاقتصادي للقطاعات الإنتاجية، توظيف أفضل للموارد البشرية.
- تقليص الإنفاق على التسليح والبنية الأساسية غير الضرورية.
- إطلاق العنان للقطاع الخاص للعمل في إطار أجندة تنموية.
- تقوية دور القطاع العام بعيدا عن البيروقراطية والفساد.
- الاهتمام بأوضاع التعليم والرعاية الصحية للمواطنين.