العصر الذهبي للطاقة النووية يبدأ في أوروبا... نية لإنشاء أكثر من 20 مفاعل

15/01/2023

يؤكد خبراءٌ ومراقبون أن الطاقة النووية على موعد مع "عصر ذهبي" جديد في القارة الأوروبية، مع اشتداد الحاجة إلى مصادر طاقة نظيفة ورخيصة، وذلك في مواجهة أزمة نقص الإمدادات الروسية من الغاز، وأيضا لتلبية الأهداف المتعلقة بالمناخ.

فبعد 12 عاما على كارثة مفاعل فوكوشيما الياباني، والتي أدت إلى تراجع الاعتماد على "النووي"، عادت هذه الطاقة إلى الواجهة من جديد، بعدما أعلنت دول أوروبية عدة عن خطط للتوسع في إنشاء مفاعلات نووية جديدة، أو تمديد عمل مفاعلات كان من المقرر خروجها من الخدمة، لتوفير كهرباء رخيصة ومستدامة بعيدا عن النفط والغاز.

ليس في أوروبا فقط ... عصر الطاقة النووية الذهبي يبدأ بالعالم:

في هذا الصدد، قال مستشار الطاقة الدولي "عامر الشوبكي"، في تصريحات حديثة: "أعتقد أن عصرا ذهبيا للطاقة النووية سيبدأ في أوروبا وأيضا في العالم كله، نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة من الوقود الأحفوري سواء النفط أو الغاز أو الفحم، وبالتالي ستكون مخرجا لعديد من الدول، وخاصة دول القارة الأوروبية".

وأضاف أن "هناك نية لإنشاء أكثر من 20 مفاعلا نوويا في دول مختلفة بأوروبا، منها بلجيكا وهولندا وبريطانيا، بعد أن كانت هناك نية للحد من مشروعات توليد الكهرباء من الطاقة النووية، وسيزيد هذا الاتجاه أيضا بعد اعتماد الاتحاد الأوروبي للطاقة النووية، باعتبارها هي والغاز الطبيعي من مصادر الطاقة النظيفة، وانعدام الانبعاثات الحرارية فيما يتعلق بالطاقة النووية".

ورغم أن أوروبا نجت بشكل نسبي من أزمة الطاقة التي كانت مرجحة بشدة هذا الشتاء، بفضل طقس دافئ على غير المعتاد، وتقليص الاستهلاك بنسبة أكبر من المستهدف (15 بالمئة)، وزيادة وارداتها من الغاز الطبيعي المسال بنسبة 58 بالمئة في 2022، لكنها تخشى حاليا من صعوبات في إعادة ملء مخزوناتها لموسم الشتاء المقبل.

وتبرز مخاوف أوروبا خاصة مع إعادة فتح الاقتصاد الصيني، وتوقعات بمنافسة شرسة على الغاز المسال؛ وهو ما يدعو الدول الأوروبية للإسراع في إيجاد بدائل للطاقة، من المتوقع أن يكون في مقدمتها الطاقة النووية.

وينظر مؤيدو الطاقة النووية إلى هذه الصناعة على أنها حيوية لتحقيق أهداف طاقة نظيفة تماما. حيث أنه بمجرد بناء مفاعلات نووية، فإنها توفر كهرباء منخفضة الكربون على مدار 24 ساعة، بخلاف الرياح المتقطعة أو الطاقة الشمسية. 

دول أوروبا تتراجع عن موقفها العدائي تجاه الطاقة النووية:

فرنسا، أكبر منتجي الطاقة النووية في أوروبا، والتي تأتي في المركز الأول عالميا، في الاعتماد على النووي في توليد الكهرباء، بنسبة تصل إلى 75 بالمئة، كانت تخطط لتقليص هذه النسبة إلى 50 بالمئة بحلول عام 2035، من خلال إيقاف تشغيل المفاعلات القديمة، وزيادة مصادر الطاقة المتجددة.

وبعد أن كان الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون"، قد تعهد في 2018، بإغلاق 14 مفاعلا نوويا، بحلول عام 2035، عاد وأعلن في مطلع العام الماضي، عن خطة معاكسة، تستهدف بناء حوالي 14 مفاعلا نوويا حتى عام 2050، ضمن خطط الحياد الكربوني. وقبل نهاية 2022، أممت فرنسا شركة الكهرباء بالكامل، لتنفيذ استراتيجيتها الجديدة.

وألمانيا، أكبر اقتصاد في أوروبا، اضطرت لتمديد عمل 3 محطات كانت تنوي إغلاقها إلى منتصف أبريل/ نيسان 2023، للتغلب على أزمة نقص الغاز، خاصة أنها تعتبر الأكثر تضررا من انقطاع إمدادات الغاز الروسية الذي كان يشكل نحو 40 بالمئة من احتياجاتها.

أما السويد، التي تعتمد على الطاقة النووية في توليد حوالي 30 بالمئة من الكهرباء، والتي لديها حاليا 6 مفاعلات نووية، تعمل حاليا على تشريع قانوني جديد يسمح لها ببناء المزيد من المفاعلات النووية، بعد أن كانت الحكومات السابقة تسعى إلى تفكيك المفاعلات القائمة.

وبريطانيا، أيضا ليست بعيدة عن هذا الاتجاه، حيث تسعى لمضاعفة قدراتها من الطاقة النووية ثلاث مرات بحلول عام 2050، واستبدال محطاتها المتقادمة، كما أن دولا مثل التشيك وبولندا ورمانيا، تعمل أيضا على إنشاء مفاعلات جديدة.

الطاقة النووية ليست عصا سحرية ولكن:

رغم هذه المشروعات الطموحة للطاقة النووية، فإنها ستواجه بعض التحديات، في مقدمتها الوقت، حيث يستغرق إنشاء محطة نووية، عقدا أو أكثر في أحسن الأحوال، هذا إلى جانب مخاطر التشغيل والتكلفة المرتفعة.

وقال خبير الطاقة "عامر الشوبكي"، في تصريحاتٍ حديثة، إن "هذه المشروعات ستحتاج إلى وقت حتى يتم الانتهاء منها، وهذا يعني أن أزمة الطاقة ستبقى مستمرة لسنوات، حتى الانتهاء من بناء وتشغيل محطات الطاقة النووية".

لكن "الشوبكي"، أشار أيضا إلى ظهور تكنولوجيات جديدة، سواء من شركة روساتوم الروسية، أو حتى في أميركا، تسمح بإنشاء مفاعلات نووية، صغيرة الحجم، بتكلفة منخفضة، وكفاءة عالية، والتي جرى استنباطها من المفاعلات النووية المستخدمة في تشغيل السفن البحرية والغواصات، والتي يتجه إليها الكثير من الدول للاعتماد عليها في مشروعاتهم النووية الجديدة.

تحديات إنتاج الطاقة النووية... عودة إلى روسيا مجددًا:

من التحديات في إنتاج الطاقة النووية، هو الوقود النووي المستخدم في تشغيل هذه المحطات، حيث تعتبر شركة روساتوم الروسية، أكبر مزود للوقود النووي في العالم، وتعتمد عليها أوروبا لتوفير نحو 50 بالمئة من احتياجاتها، وكذلك أميركا تعتمد على الوقود النووي الروسي. ولذلك فإن روساتوم خارج العقوبات الغربية حاليا، حيث يُعتمد عليها بشكل أساسي في توفير الوقود النووي وأيضا التكنولوجيا النووية.

ومن بين التحديات التي تواجه انتشار الطاقة النووية للاستخدامات الخاصة بتوليد الكهرباء، هو امتناع البنك الدولي عن تمويل هذه المشروعات، رغم أنه يعتبر أكبر ممول للطاقة الخضراء في العالم.

ويرى "الشوبكي" أن العالم كله وليس أوروبا فقط سيتجه نحو بناء مزيد من محطات الطاقة النووية في الفترة المقبلة، لتوفير الكهرباء، من مصادر نظيفة، بما يشير إلى عودة قوية للطاقة النووية في العقود المقبلة بعد أفولها في السنوات الماضية خشية المخاطر المتعلقة بها.

وبحسب تقديرات معهد أكسفورد للطاقة فإن 439 مفاعلا نوويا تعمل في الوقت الحالي، وتوفر الكهرباء في نحو 32 دولة حول العالم، أغلبها في أوروبا وأميركا الشمالية وبعض الدول الآسيوية، هذا إلى جانب حوالي 60 مفاعلا نوويا قيد الإنشاء.

وتعتبر أميركا أكبر دولة منتجة للكهرباء من الطاقة النووية في العالم، وإن كانت نسبة الكهرباء المولدة تمثل حوالي 19.7 بالمئة فقط من إجمالي الطاقة المولدة في الولايات المتحدة.

وتشير تقديرات معهد أكسفورد للطاقة إلى أن العالم سيحتاج لإضافة 235 مفاعلا جديدا خلال الثماني سنوات المقبلة من أجل الوصول إلى هدف الانبعاثات الصفرية بحلول عام 2050.

شارك رأيك بتعليق

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات متعلقة: