طوال الأسابيع والأيام الماضية، انقلبت وتباينت التوقعات مرارا وتكرارا حول ما سيبدو عليه الاقتصاد في عام 2023، إذ يحاول محافظو البنوك المركزية واقتصاديو "وول ستريت" ومسؤولو إدارة "بايدن" إدارة دفة الاقتصاد العالمي نحو ما يخدم مصالحهم، عبر قرارات الفائدة وغيرها، التي تؤثر على مجالات عديدة بما في ذلك أسواق الإسكان والعقارات.
وبالحديث عن مجال العقارات من وجهة نظر عالمية، تناولت صحيفة "نيويورك تايمز" (New York Times) الأمر في تقرير حديث نستعرض عليكم أبرز ما جاء فيه فيما يلي:
توقعات سوق الإسكان والعقارات العالمي لعام 2023:
في الأشهر الماضية ساهم الوباء في قلب سوق الإسكان؛ حيث أدى ظهور فيروس كورونا إلى اندفاع سكان المدن للحصول على مساحة أكبر في منازل الضواحي والمدن الصغيرة، وهو اتجاه عززته معدلات الرهن العقاري المتدنية.
ومن ثم بسبب إعادة الفتح بعد الإغلاق، تشجع الناس للعودة نحو المدن، مما ساعد في رفع الإيجارات في المناطق الحضرية الكبرى التي تشكل جزءا كبيرا من التضخم، إلى جانب زيادة أسعار الفائدة، مما ساهم في إبطاء شراء المنازل بشكل حاد في العديد من الأسواق.
ومع قلة الطلب تلك، من المتوقع أن يرتفع المعروض من الشقق والمنازل المتاحة في عام 2023 .
واستعرض الكاتب رأي "إيغور بوبوف"، كبير الاقتصاديين في الموقع، حيث قال "الإطار الذي يبدو في عام 2023 هو أننا سندخل العام بالفعل في بيئة مقيدة بالطلب؛ حيث سنرى المزيد من الشقق تتنافس على عدد أقل من المستأجرين".
وتوقع "بوبوف" نموا طفيفا في الإيجارات في عام 2023، لكنه قال إن التوقعات غير مؤكدة وتتوقف على حالة سوق العمل، موضحا أن الإيجارات ستنخفض إذا ارتفعت البطالة، بينما إذا كان أداء العمال جيدا حقا، فقد ترتفع الإيجارات بسرعة أكبر، وفق ما ذكرته الكاتبة.
أما في سوق الإسكان المملوك، والذي لا يدخل في التضخم ولكنه مهم بالنسبة لوتيرة النمو الاقتصادي العام، فإن مبيعات المنازل الجديدة تراجعت بشكل كارثي مع ارتفاع تكاليف الرهن العقاري والارتفاع الأخير في الأسعار، مما جعل شراء منزل أمرا بعيدا عن متناول العديد من العائلات.
إيجابيات وسلبيات الاستثمار بالعقارات بشكلٍ عام:
العقارات هي استثمار نموذجي على الأجل الطويل، والمباشرة به تتطلب كمية كبيرة من المال، وكذلك عمولات عالية جدا، وغالبا ما تأتي العائدات من الاحتفاظ بالعقار لفترة طويلة ونادرا ما يتم ذلك خلال بضع سنوات فقط. وكانت العقارات هي الاستثمار طويل الأجل المفضل للأميركيين عام 2021.
لكن حتى إذا اشتريت عقارات بكل النقود التي تمتلكها، فسيكون لديك الكثير من الأموال المقيدة في أصل واحد، ويمكن أن يؤدي عدم التنويع هذا إلى مشاكل عديدة إذا حدث شيء ما للأصل. وإذا لم يكن لديك مستأجر للعقار، فستحتاج إلى الاستمرار في دفع الضرائب وتكاليف الصيانة الأخرى من جيبك الخاص.
ومع أن المخاطر يمكن أن تكون عالية، فإن المكافآت يمكن أن تكون عالية جدا أيضا. وإذا كنت قد اخترت عقارا جيدا وأدرته جيدا، فيمكنك كسب عدة أضعاف استثمارك إذا كنت على استعداد للاحتفاظ بالأصل بمرور الوقت.
ما هو مستقبل العقارات بعد قرارات رفع الفائدة؟
يكتب الخبير الاقتصادي "محمد رمضان" في معرض حديثه عن هذا الموضوع:
حتى نفهم طبيعة العلاقة بين أسعار العقار وأسعار الفائدة، لابد أولا من معرفة طبيعة العقار كأصل، فالعقار في الوضع الطبيعي يعتبر أصلا ذا عمر افتراضي طويل جدا. اذ يمكن أن يصل العمر الافتراضي للعقار المبني القابل للاستخدام لعشرات وأحيانا مئات السنين.
وبسبب كون العقار قابلا للاستخدام والانتفاع به أو تأجيره لفترة طويلة جدا، فإنه من المستحب ومن المنطقي بالنسبة للبعض شراء العقار المبني بتمويل كبير نسبة إلى قيمة العقار عن طريق الاقتراض لسنوات طويلة.
القروض العقارية هي قروض طويلة الأجل تصل فترة سدادها إلى 15 أو 25 أو حتى 30 سنة في العديد من دول العالم. وأقساط القروض الطويلة الأجل تتأثر كثيرا بأسعار الفائدة مقارنة بالقروض القصيرة الأجل. واجمالي الفوائد المدفوعة للقرض القصير الأجل يكون أقل بكثير من القرض الطويل الأجل.
مثلا، اقتراض 70 ألف دولار بفترة سداد 5 سنوات وبفائدة سنوية %5 يجعل القسط الشهري 1.321 دولارًا لـ 60 شهرا بفائدة اجمالية مدفوعة تساوي 9260 دولار. بينما اقتراض 70 ألف دولار بفترة سداد 15 سنة وبفائدة سنوية %5 يجعل القسط الشهري 554 دولارًا لـ 180 شهرا بفائدة اجمالية مدفوعة 29640 دولار.
ولو ارتفعت الفائدة السنوية إلى %6 سيصبح القسط الشهري لقرض الـ 70 ألف دولار لمدة 5 سنوات هو 1353 دولارا بالشهر واجمالي الفوائد المدفوعة هو 11180 دولارا. أي بارتفاع بنسبة %2.4 في القسط الشهري وارتفاع بنسبة %21 بإجمالي الفوائد المدفوعة. بينما سيصبح القسط الشهري لقرض الـ 15 سنة هو 591 دولارا بالشهر وبفوائد اجمالية مدفوعة 36380 دولارا. أي بارتفاع بنسبة %6.6 في القسط الشهري وارتفاع بنسبة %22.7 بإجمالي الفوائد المدفوعة.
ولو ارتفعت فائدة الاقتراض السنوية لـ %10، سيصبح القسط الشهري لقرض الـ 70 ألف دولار لمدة 5 سنوات هو 1487 دولارا بالشهر واجمالي الفوائد المدفوعة هو 19238 دولارا. أي بارتفاع بنسبة %12.6 في القسط الشهري وارتفاع بنسبة %108 بإجمالي الفوائد المدفوعة. بينما سيصبح القسط الشهري لقرض الـ 15 سنة هو 752 دولارا بالشهر وبفوائد اجمالية مدفوعة 65360 دولارا. أي بارتفاع بنسبة %35.7 في القسط الشهري وارتفاع بنسبة %120.5 بإجمالي الفوائد المدفوعة.
يتبين مما سبق أن رفع أسعار الفائدة من شأنه أن يرفع أقساط سداد القروض الطويلة بنسب كبيرة، وبالتالي يؤثر ذلك سلبا في قدرة المشتري للعقار بتوفير السيولة. الأمر الذي يتسبب بانخفاض أسعار العقارات لو بقيت كل العوامل الأخرى المؤثرة في أسعار العقار ثابتة.