رغم أن الطاقة النووية الأوروبية كانت الراعي الأكبر لتصدّع العلاقات الألمانية –الفرنسية، لكن يُنظر إليها اليوم على أنها حل لأزمة الكهرباء في أوروبا. كما أن دولا جديدة تسعى إلى اعتمادها، مثل بولندا التي اختارت منذ يومين عرضا أمريكيا لتشييد أول محطة نووية على أراضيها.
وفي ذات الوقت، تسعى الدول التي تمتلك تلك الطاقة إلى زيادة مفاعلاتها وتعزيزها غير آبهة بمعارضة أنصار البيئة الخضر والأصوات المنادية بالطاقة المتجددة.
العودة للنووي في ألمانيا:
في ألمانيا، بدأ العمل على تجهيز مفاعلين نوويين كان من المقرر إغلاقهما مع حلول نهاية العام الجاري، بما يتماشى مع خطة تخرج البلاد من الطاقة النووية. وتبلغ تكلفة مشروع تشغيل المحطتين حوالي 100 مليون يورو، على أن يتم العمل بهما بعد كانون الأول/ديسمبر المقبل.
يأتي ذلك في الوقت الذي تخطط فيه محطة الطاقة النووية "إيزار 2" لإجراء الصيانة بتكاليف ستصل إلى حوالي 50 مليون يورو، كما ستكلف الأعمال التحضيرية في المحطة النووية "نيكارويستهايم- 2" مبلغا مشابها.
وكان إيقاف محطات الطاقة النووية واحدا من أبرز مطالب الشعب الألماني في مظاهراته الأخيرة التي خرجت في برلين ودوسلدورف وهانوفر، وشتوتغارت ودريسدن وفرانكفورت، خاصة أنصار حزب الخضر، وأنصار التحول إلى الطاقة الخضراء.
باريس تدير ظهرها للبيئة:
من ألمانيا إلى فرنسا، حيث أكبر إنتاج للطاقة عبر المفاعلات النووية في العالم، حيث تولد 70 في المئة من الكهرباء عبر 56 مفاعلاً نووياً وتصدّر للدول المجاورة.
عانت المفاعلات النووية في فرنسا وتوقف نصفها عن العمل بسبب الأعطال أو الجفاف، ما جعل الناتج الكهربائي ينخفض إلى أدنى مستوى له خلال 30 عاما، وأدى ذلك أيضا إلى انخفاض الصادرات إلى النصف تقريبا، حسب آخر التقارير الحكومية.
ذلك الواقع دفع الإدارة الفرنسية للتوجه نحو زيادة طاقة المفاعلات النووية، وتغيير الخطة التي كانت ترمي للتخلي تدريجيا عن المفاعلات النووية لمصلحة المصادر المتجددة مثل الشمس والرياح.
وستلاقي الخطوة الفرنسية، حسب توقعات محللين، غضبا شعبيا، ومعارضة من دول العالم التي تسعى إلى مكافحة التغير المناخي وتنادي باستبدال الطاقة النووية بالطاقة من مصادر أخرى، إضافة للعبء المادي الكبير الذي ستتكبده الحكومة الفرنسية.
أهم عائق أمام التحول النووي هذا الشتاء:
إن أزمة الجفاف، تحد بشكل كبير من هذا التوسع المزمع القيام به، حسب بيانات الشركات المشغلة للمفاعلات النووية، وذلك لأن المحطات النووية تستخدم كميات كبيرة من المياه العذبة القادمة من الأنهار والبحيرات بغرض التبريد، وسيؤدي انخفاض تدفقات الأنهار نتيجة الجفاف إلى تقليل توليد الكهرباء في محطات الطاقة النووية.
حسب المستشار الفرنسي في مجالات الطاقة "برنارد لابونش"، لا ترتبط الطاقة النووية فقط بأفضل السبل لتوليد الكهرباء، وإنما هي إرث تاريخي في فرنسا يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالقومية، وأن ينادي أي مواطن فرنسي بمعاداة الطاقة النووية فذك من المحرمات.
وقال "لابونش": "إذا كنت ترغب في الحصول على وظيفة كمهندس أو باحث في فرنسا فعليك أن تكون مؤيدًا للطاقة النووية، لذلك هناك قلة قليلة من الذين ينتقدونها علانية".
وبالتالي كل المؤشرات تشير إلى أن الطاقة النووية ستبقى في فرنسا لعقود قادمة، رغم المعارضة الشعبية الواسعة والتحذيرات البيئية التي من الأخطار الناجمة عن المياه التي تلقي بها محطات الطاقة النووية في الأنهار بعد أن تكون قد استخدمتها في التبريد، وما تشكله من أخطار على النظم البيئية والأسماك والنباتات المائية.