يبذل مستوردو المواد الغذائية من أفريقيا إلى آسيا الغالي والنفيس بغية الحصول على الدولار لدفع فواتير الجمارك والنقل، حيث أدى ارتفاع قيمة العملة الأميركية إلى ارتفاع الأسعار في البلدان التي تواجه بالفعل أزمة غذائية كبرى.
في غانا، على سبيل المثال لا الحصر، يحذر المستوردون من النقص في المواد الغذائية في الأسابيع التي تسبق موسم العطل. وحسب "بلومبيرغ"، تراكمت آلاف الحاويات المحملة بالأغذية في موانئ باكستان، في حين رفع الخبازون الخاصون في مصر أسعار الخبز بعد نفاد القمح في بعض مطاحن الدقيق وتقطعت بهم السبل بسبب ما يواجهه المستوردون من أزمات في منافذ الجمارك.
وهكذا تستمر البلدان التي تعتمد على الواردات الغذائية في أنحاء العالم بالمعاناة من تداعيات أسعار الفائدة المرتفعة وقوة الدولار وارتفاع أسعار السلع الأساسية، مما يؤدي إلى تآكل قدرتها على دفع ثمن السلع التي يتم تسعيرها بالدولار.
كما أدى تضاؤل احتياطيات العملات الأجنبية في كثير من الحالات إلى تقليل الوصول إلى الدولار وبطء البنوك في صرف المدفوعات وتسديد فواتير الاستيراد.
مشكلة نقص الدولار تتفاقم وكابوس قديم قد يأتي مجددًا:
في هذا الصدد، يقول "أليكس سانفيليو" رئيس التجارة العالمية في شركة كارغي الأميركية العملاقة المتخصصة في تجارة المحاصيل: "لا يمكن لهذه الدول تحمل تكاليف هذه السلع، ولا يستطيعون دفع أثمانها ... وهذا يحدث في العديد من الدول".
ويرى "سانفيليو" أن مشكلة النقص في الدولارات ليست جديدة بالنسبة للعديد من البلدان ولا تقتصر على السلع الزراعية ولكنها تطاول القوة الشرائية وتضع ضغوطًا أوسع على أنظمة الغذاء العالمية... وتفاقمت في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا.
وفي ذات الشأن، حذر صندوق النقد الدولي من كارثة غذائية لا تقل خطورة عن الكارثة الغذائية التي ضربت العالم في العام 2007 -08.
واضطرت أزمة النقص في الغذاء وزيرة الخزانة الأميركية "جانيت يلين"، إلى المطالبة بتقديم المزيد من المساعدات الغذائية للفئات الأكثر ضعفاً، في حين قال برنامج الغذاء العالمي إن العالم يواجه أكبر نقص في الغذاء وأكبر أزمة في التاريخ الحديث.
شحنات متكدسة في الموانئ:
يعاني العديد من المستوردين من ارتفاع التكاليف وتقلص رأس المال وصعوبة الحصول على الدولارات لضمان تحرير شحناتهم من الجمارك في الوقت المحدد. وهذا يعني أن الشحنات تتعطل في الموانئ أو قد يتم تحويلها إلى وجهات أخرى.
من جانبه قال المستشار المتخصص في أفريقيا وأسواق السلع "تيد جورج"، لبلومبيرغ: "كان هناك دائماً ضغوط على إكمال إجراءات هذه المدفوعات، لكن في الوقت الحالي يبدو أن الضغط لا يطاق".
وفي مصر، أحد أكبر مستوردي القمح في العالم، أصاب النقص في شحنات القمح المتاحة مطاحن القطاع الخاص التي توفر دقيق الخبز غير المدعوم. وحسب بلومبيرغ نفد القمح من حوالي 80% من المطاحن في مصر وتوقفت عن العمل حيث لا يزال حوالي 700000 طن من الحبوب عالقة في موانئ البلاد منذ بداية الشهر الماضي، وذلك وفقًا لغرفة تجارة الحبوب في القاهرة.
أما في بنغلادش، قد تضطر مجموعة ميغهنا الصناعية التجارية العملاقة إلى خفض كمية القمح التي كانت تخطط لاستيرادها قبل اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا. وذلك بسبب القفزة في أسعار القمح بنسبة لا تقل عن 20% في تكاليف الاستيراد بعد ارتفاع سعر صرف الدولار، حسبما قال مسؤول المشتريات بالمجموعة البنغلادشية، "تسليم شهريار".
وفي غانا، خسرت العملة الغانية "السيدي" حوالي 44% من قيمتها مقابل الدولار، مما يجعلها ثاني أسوأ العملات أداءً في العالم. وقال السكرتير التنفيذي لجمعية المستوردين والمصدرين في غانا: "نعتقد أنه سيكون هناك نقص في بعض المواد الغذائية". "الدولار يبتلع عملتنا "السيدي" ونحن في وضع ميؤوس منه".
وقال صندوق النقد الدولي في توقعاته العالمية هذا الأسبوع مع استمرار بنك الاحتياط الفيدرالي في تشديد السياسة النقدية، إن قوة الدولار مقابل عملات الأسواق الناشئة والنامية ستزيد من ضغوط التضخم والديون على العديد من البلدان.