اللحوم المزروعة معمليًا... مفهوم ثوري قد ينقذ البشرية من مجاعة

16/10/2022

نجحت جهود العلماء في إيجاد حلول لزراعة النباتات في بيئات بديلة حتى وصلت لقمة ذلك بزراعة النباتات معمليا باستخدام تقنيات زراعة الأنسجة التي تعتمد على أخذ قطعة من النبات وتنميتها في بيئة مغذية معقمة ومعزولة عن العوامل الخارجية، حتى تنمو الخلايا لتعطي نباتا كاملا يتم نقله تدريجيا إلى أصص صغيرة أو حصاده مباشرة من داخل البيئة المغذية.

وعند محاولة تطبيق ذلك على اللحوم، واجه العلماء تحديات عديدة على رأسها نمو الخلايا في صورة طبقة واحدة رقيقة، وعدم تمايز الخلايا النامية إلى أعضاء، وهو ما أدى إلى تأخر نجاح زراعة اللحوم معمليا مقارنة بزراعة النباتات بعدة عقود، قبل أن تنجح في الأعوام الأولى من القرن الحالي.

وفي عام 2013 كان العالم على موعد مع أول شطيرة بيرغر مصنوعة بالكامل من لحم مستزرع معمليا أنتجه الدكتور "مارك بوست" الأستاذ بجامعة ماستريشت (Maastricht University) الهولندية.

وعلى الرغم من النجاح في ذلك، فإن الأمر ظل مجرد مجهود نظري، إذ استلزم إنتاج 2.25 كيلوغرام من اللحم البقري 5 سنوات من العمل، قام فيها الفريق البحثي بتنمية خلايا جذعية مأخوذة من بقرة، وتكلّف إنتاج الشطيرة 325 ألف دولار أميركي دفعها بالكامل "سيرجي برين" الشريك المؤسس لغوغل.

طريق طويل واستثمارات هائلة:

تلا ذلك تكثيف جهود الاستزراع المعملي، إذ ضخت الحكومات والمستثمرون مليارات الدولارات في الأبحاث الهادفة إلى خفض كلفة الاستزراع والمعالجة، وتركزت هذه الجهود في 3 اتجاهات رئيسية هي: استزراع اللحوم بأنواعها معمليا، واستزراع أغذية بديلة من أصول غير حيوانية، وإنتاج المكونات الغذائية عالية التكاليف مثل مكسبات الطعم والرائحة بكميات كبيرة.

وفي دراسة حديثة نشرت أوائل العام الجاري، تناولت أكثر من 170 شركة ناشئة تعمل في واحد على الأقل من المجالات الثلاثة المذكورة في 25 دولة، وجدت أن الاستثمارات المعلن عنها لتمويل الاستزراع المعملي تجاوزت 4.7 مليارات دولار حتى عام 2021، علما بأن أكثر من نصف عدد الشركات التي تناولتها الدراسة لم يعلن عن قيمة الاستثمارات التي حصلت عليها.

في حين أشار تقرير آخر أصدرته مؤسسة أونتاريو للجينوم الكندية (Ontario Genomics) إلى أن إجمالي الاستثمارات في المجال يتجاوز 12 مليار دولار.

سنغافورة... النموذج الأمثل:

تمثل سنغافورة نموذجا لدولة تعاني من شح الأراضي وشح الموارد الطبيعية، ويمثل لها إنتاج الغذاء أزمة حقيقية، إذ تستورد أكثر من 80% من الأغذية، وبالتالي فالحكومة السنغافورية صارت من أكبر المستثمرين في مجال الاستزراع الغذائي في العالم.

وفي شهر ديسمبر/كانون الأول 2020، فاجأت سنغافورة الجميع بمنح أول موافقة حكومية في التاريخ لمنتج غذائي يحتوي على 50% لحم دجاج مستزرع معمليا.

والمنتج عبارة عن قطع دجاج مقلية (ناغتس) مصنوعة من اللحم المفروم. المنتج المتوقع نزوله إلى السوق المحلي قريبا سيكون أغلى قليلاً من المنتجات المماثلة (الطبيعية)، لكنه لا يزال في نقطة سعرية منافسة تسمح له بالبقاء في السوق.

اليابان.. اختراق علمي غير مسبوق:

بعد أقل من عام ونصف العام من الخطوة التاريخية التي قامت بها سنغافورة، خرج الدكتور "شوجي تاكيوتشي" رئيس معمل النظم البيولوجية الهجينة بجامعة طوكيو اليابانية، باختراق علمي يمثل نقلة نوعية في المجال، إذ أعلن عن تطوير تقنية جديدة تمكّن من خلالها مع فريقه من تنمية الخلايا الجذعية الحيوانية للحصول على ألياف عضلية (قطع لحم) في المعمل.

وخلافاً لكل التقنيات السابقة التي كانت تنتج كتلا أو خيوطا من الخلايا يتم جمعها ومعالجتها لتوفير لحم مفروم، نجحت التقنية الجديدة في إنتاج قطعة لحم صالحة للطبخ مباشرة دون الحاجة إلى وجود حيوان.

وتشير الإحصائيات إلى أن تربية الحيوانات للحصول على اللحم تستنزف حوالي 77% من الأراضي الزراعية في العالم في مقابل 23% فقط للإنتاج النباتي، الذي يشارك بـ 82% من السعرات المنتجة عالميا و63% من البروتينات.

وفي حالة التوسع في تبني مثل هذه التقنية، يمكن توفير مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية المستخدمة الإنتاج الحيواني. كما يمكن لهذه التقنية أن تقلل من التأثير الضار على البيئة بسبب الممارسات الزراعية التقليدية وانبعاثات الكربون الضارة من مخلفات المزارع.

إن إنتاج اللحوم معمليا بلا شك أمر غير اعتيادي ومن المتوقع أن يواجه العديد من التحديات حتى يسمح له يوما بالتداول الحر في الأسواق، ووقتها سيواجه تحديات أخرى دينية وتسويقية.

ومن ثم فإن اللحوم المستزرعة معمليا ليست الحل السحري لأزمة الأمن الغذائي في العالم، لكنها قد تكون عاملا مساعدا على التغلب عليها.

شارك رأيك بتعليق

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات متعلقة: