في وقتٍ سابقٍ من هذا العام، وتحديدًا بعد اندلاع الحرب الروسية- الأوكرانية مباشرة، قدم معهد واشنطن للتمويل الدولي تنبؤا صادمًا وخاصا: اليورو على وشك أن يضعف بشكل كبير ويتراجع عن مستوى 1.11 دولار لأن المنطقة تتجه نحو عجز في الحساب الجاري.
لم يرق للكثير من المستثمرين مع ذلك. حيث أشارت بيانات صادرة عن لجنة تداول السلع الآجلة إلى أنه كان هناك مركز مضاربة "دائن" صاف في الأسواق حينها - بعبارة أخرى، كان المستثمرون يراهنون على أن العملة ستقوى- لأن البنك المركزي الأوروبي كان يرفع أسعار الفائدة.
لكن قيمة اليورو الآن تبلغ 0.98 دولار، وتحول الفائض التجاري التقليدي لأوروبا بالفعل إلى عجز في الحساب الجاري، بسبب ارتفاع تكلفة واردات الطاقة وانخفاض الصادرات الصناعية.
وكانت توقعات معهد التمويل الدولي بشأن الجنيه الاسترليني على القدر نفسه من البصيرة الثاقبة... ففي الأشهر الأخيرة، حذر "روبن بروكس"، كبير الاقتصاديين في معهد التمويل الدولي، أيضا من أن الجنيه يبدو مبالغا في قيمته ـ كان يعادل 1.35 دولار في ذلك الوقت ـ حيث كانت الأسواق تتجاهل أن عجز الحساب الجاري في المملكة المتحدة ارتفع بهدوء فوق 8 في المائة، صعودا من مستوى 3 في المائة الذي شوهد في الأعوام الأخيرة.
وبنفس الطريقة، في الأسبوع الماضي، انهار الجنيه البريطاني على النحو اللازم ليقترب من التساوي مع الدولار، بعد أن كشفت حكومة المملكة المتحدة عن خطة مفاجئة لخفض الضرائب.
يجادل "بروكس" بأن: "هذه التحركات في اليورو والجنيه الاسترليني ليست غير عقلانية أو مبالغ فيها. فقد تحولت القيم العادلة لكليهما لتعكس ارتفاع تكاليف الطاقة والموازين التجارية الأضعف بكثير".
في الواقع، يعتقد "بروكس" أنه في المستويات الحالية ما يزال اليورو مبالغا في قيمته بنسبة 10 في المائة والجنيه مبالغ في قيمته بنسبة 20 في المائة!
علاوة على ذلك، يشير نموذجه إلى أن الليرة التركية والدولار النيوزيلندي مبالغ في قيمتهما أيضا "بنسبة 15 و22 في المائة، على التوالي"، في حين أن الرنمينبي الصيني والريال البرازيلي والكرونة النرويجية أقل من قيمتها الحقيقية بنسبة 11 و13 في المائة للعملتين الأولى والثانية، ونسبة هائلة تبلغ 47 في المائة للكرونة.
ما ينبغي أن تنتبه له جيدًا كمستثمر في مجال العملات:
ينبغي أن ينتبه المستثمرون لذلك، قد يتمتم بعض محللي الصرف الأجنبي بأن هذا النوع من التحليل يبدو رجعيا جدا. فلطالما جادلت مبادئ الاقتصاد بأن أرصدة الحسابات الجارية تؤثر في قيم العملات، لأنها تحدد الدرجة التي يجب أن يجتذب بها بلد ما التمويل الخارجي.
مع ذلك، نماذج التداول، التي استخدمها مديرو الأصول في الحقبة الحديثة للسياسة النقدية الفضفاضة للغاية ركزت عادة على القضايا الأخرى التي تشكل تدفقات رأس المال.
وتميل أسعار الفائدة النسبية، مثلا، إلى أن تكون الأهم، ولا سيما منذ أن انخرط المستثمرون في تداولات المناقلة "الاقتراض بعملة عليها سعر فائدة أقل للاستثمار في أصول ذات عوائد مرتفعة بعملة أخرى".
أشارت مجموعة "جي إم أوه" أخيرا إلى أن "تداولات المناقلة شهدت انتعاشا مفاجئا في الأداء". "نماذج القيمة العادلة التي تستخدمها، والتي تعطي وزنا أقل لأرصدة الحسابات الجارية، تشير ضمنا إلى أن الجنيه الاسترليني واليورو أقل من قيمتهما الحقيقية وليس مبالغا فيها".
هناك أيضا قضايا المخاطر السياسية والسلامة. يشير تحليل معهد التمويل الدولي إلى أن قيمة الدولار كانت مبالغا فيها، نظرا لعجز حساباته الجارية. لكنها تعززت بالفعل هذا العام، كما أشار زميلي مارتن وولف، لأن هيمنة أسواق المال الأمريكية - والعملة - جعلته ملاذا آمنا.
لكن بينما يظهر سلوك الدولار أنه من الخطأ التعامل مع تحليل العملات على أنه أي شيء آخر غير فن وليس علما، فإن قصة الجنيه الاسترليني تظهر شيئا آخر: من الخطورة تجاهل الجاذبية الاقتصادية.
رغم ذلك، يمكن المجادلة بأن أفضل طريقة لتأطير انهيار الجنيه الاسترليني الأسبوع الماضي هي التفكير فيه كشخصية هزلية في مسلسل كوميدي، ينطلق من جرف ويواصل التبديل "كما يفعل راكب الدراجة" على الارتفاع نفسه – إلى أن ينظر إلى الأسفل ويصاب بالذعر – فقد أمضى المستثمرون معظم العام يتصرفون كما لو أن الجنيه الاسترليني سيظل مرتفعا، لأنهم يثقون بصناعة السياسة البريطانية وأسعار فائدة المملكة المتحدة الصاعدة، والآن ترسخت الجاذبية الاقتصادية.
إذا كنت تؤمن بمبدأ الانحدار المتوسط، الذي يدعم الكثير من نماذج التداول - يعني أن أسعار الأصول تلجأ في النهاية إلى متوسط حديث بعد التأرجح الجامح - فمن الممكن أن نأمل أن يكون تراجع الاسترليني مؤقتا. لكن إذا كنت تعتقد أن عجز الحساب الجاري بنسبة 8 في المائة يضع المملكة المتحدة في حقبة جديدة، فقد لا تنطبق النماذج السابقة.
في كلتا الحالتين، ينبغي للمستثمرين التفكير فيما إذا كانت هناك أماكن أخرى قد تحدث فيها تصفية حسابات.
مخطط معهد التمويل الدولي يؤكد التوترات في عالم العملات. وتقدم بيانات الديون أدلة إضافية. بشكل ملحوظ، كان هناك قليل من الجدل العام في الأعوام الأخيرة حول الحقيقة المذهلة المتمثلة في أن الدين العالمي تضاعف منذ 2006 - وتضاعف ثلاث مرات منذ 2000. حدث هذا لأن أسعار الفائدة كانت منخفضة للغاية.
لكن أسعار الفائدة آخذة في الارتفاع الآن والعبء المالي في عديد من البلدان يرتفع بشدة وسط دعم الطاقة والإنفاق الوبائي "وفي المملكة المتحدة، التخفيضات الضريبية غير المتوقعة".
هناك أيضا دلائل على أن المستثمرين أصبحوا أكثر توترا: بصرف النظر تماما عن توترات سوق السندات وسوق سندات الحكومة البريطانية المضمونة هذا الأسبوع، يفيد جيه بي مورجان أن المستثمرين العالميين يخططون الآن لتخصيص 17 في المائة فقط من محافظهم الاستثمارية للسندات. هذا مستوى منخفض بشكل ملحوظ، نظرا إلى أنها عانت المبالغة في تقدير قيمتها على مدى الأعوام الـ 14 الماضية.
هذا لا يعني أن المستثمرين يجب أن يصابوا بالذعر، لكن عليهم أن يسألوا أنفسهم لماذا تجاهلوا البيانات الموجودة في الرسوم البيانية، كتقارير معهد التمويل الدولي، لفترة طويلة، في بعض الأحيان تكون الجاذبية الاقتصادية مهمة.