لعل أغلب التوقعات بخصوص الدولار إيجابية ومتفائلة بالآونة الأخيرة، والسبب ببساطة سياسة التشديد النقدي بدون هوادة المتبعة من قبل الولايات المتحدة وبنكها الفيدرالي.
لكن الخبراء لا ينظرون إلى الأيام أو الأسابيع القادمة فحسب، بل يبنون توقعاتهم على أسس مستقبلية متوسطة وبعيدة الأمد، وهذه التوقعات تهم كافة المستثمرين أو المدخرين الذين يعتمدون على الدولار كأفضل وسيلة نقدية لحفظ القيمة حاليًا.
تأسيسًا على ذلك فقد تناولت صحيفة "فايننشال تايمز" الأمريكية، مستقبل الدولار في ظل التحديات التي يواجهها الاقتصاد العالمي خلال الفترة الحالية والمقبلة.
وذكر الكاتب "روتشير شارما"، في تقرير الصحيفة أن أولئك المتفائلون بشأن مستقبل الدولار يقومون ببناء توقعاتهم على أساس خاطئ وهو أنه "لا يوجد بديل للدولار"، فينخدع الناس بقوة الدولار حاليًا ويفضلونه حتى على السلع الثمينة وذات القيمة التاريخية كالذهب.
بعد الوصول إلى قمة الجبل لن يكون أمامك سوى المنحدر!
يرى الكاتب أن ما حدث قبل عقدين من الزمن يشير إلى أن الدولار أقرب إلى الذروة منه إلى الانتعاش. وبتعبيرٍ آخر نقول "بعد وصول الدولار إلى قمة الجبل وتحقيقه أعلى سعر ممكن، قد لا يكون أمامه سوى المنحدر".
نستذكر في ذلك ما حدث مع هبوط الأسهم الأمريكية في ظل انهيار الدوت كوم، حين استمر الدولار في الارتفاع قبل أن يدخل في انخفاض بدأ في 2002 واستمر ستة أعوام.
وبنفس الطريقة قد يمر الدولار بنقطة تحول شبيهة ويكرر التاريخ نفسه. لكن هذه المرة، يمكن أن يستمر تراجع العملة الأمريكية لفترة أطول حتى.
هل قيمة الدولار الحالية حقيقية وعادلة؟
بالنسبة للكاتب، فسواء تم تعديلها وفقا للتضخم أم لا، فإن قيمة الدولار مقابل العملات الرئيسة الأخرى تزيد الآن 20 في المائة على اتجاهها في المدى الطويل، وتتجاوز الذروة التي بلغتها في 2001.
فمنذ سبعينيات القرن الماضي، استمر الارتفاع المعتاد في دورة الدولار نحو سبعة أعوام، والارتفاع الحالي هو في عامه الـ 11. علاوة على ذلك، فإن الاختلالات الأساسية تنذر بالسوء بالنسبة إلى الدولار.
يستطرد الكاتب موضحًا أنه عندما يتجاوز عجز الحساب الجاري باستمرار 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، فإن ذلك يعد "إشارة أكيدة" على حدوث مشكلة مالية في المستقبل. هذا ينطبق تماما على الدول المتقدمة، حيث يندر حدوث هذه النوبات، ويتركز في الدول المعرضة للأزمات مثل إسبانيا والبرتغال وأيرلندا.
وقد اقترب عجز الحساب الجاري للولايات المتحدة الآن من عتبة الـ 5 في المائة، التي تجاوزها مرة واحدة فقط منذ 1960.
ويشرح الكاتب أن الدول تعتبر عملاتها ضعيفة عندما لا يثق بقية العالم في قدرتها على دفع فواتيرها. إذ تدين الولايات المتحدة للعالم حاليا بمبلغ صاف قدره 18 تريليون دولار، أو 73 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، أي ما يتجاوز بكثير عتبة الـ50 في المائة التي تنبأت في الأغلب بأزمات العملة السابقة.
أخيرا، يميل المستثمرون إلى الابتعاد عن الدولار عندما يتباطأ الاقتصاد الأمريكي مقارنة ببقية العالم. وفي الأعوام الأخيرة، كانت الولايات المتحدة تنمو بشكل أسرع بكثير من المعدل المتوسط للاقتصادات المتقدمة الأخرى، لكنها على وشك النمو بشكل أبطأ من نظيراتها في الأعوام المقبلة.
إذا كان هبوط الدولار حتميًا... فهل سيكون ذلك تهديدًا لهيمنته؟
إذا كان الدولار على وشك الدخول في اتجاه هبوطي، فإن السؤال المطروح هو ما إذا كانت تلك الفترة ستستمر وتتعمق بما فيه الكفاية لتهديد مكانته باعتباره العملة الأكثر ثقة في العالم.
لكن التاريخ لا يدعم كثيرًا هذه الفرضية، فالدولار قد احتفظ بمركز العملة الاحتياطية للعالم لأكثر من 100 عام، لذا فإن سيادته أقدم بالفعل من معظم العملات.
في الوقت نفسه، تظهر وطأة العقوبات الأمريكية على روسيا مدى التأثير الذي تمارسه الولايات المتحدة في عالم يحركه الدولار، ما يلهم كثيرا من الدول لتسريع بحثها عن خيارات. فمن المحتمل ألا تكون الخطوة التالية نحو عملة احتياطي واحدة، بل نحو كتل من العملات.
حاليًا، تعمل أكبر اقتصادات جنوب شرق آسيا على تسوية المدفوعات لبعضها بعضا بشكل مباشر، متجنبة الدولار... ماليزيا وسنغافورة من بين الدول التي اتخذت ترتيبات مشابهة مع الصين، التي تقدم أيضا عروض دعم الرنمينبي للدول التي تعاني ضائقة مالية.
وتعمل البنوك المركزية من آسيا إلى الشرق الأوسط على إنشاء خطوط ثنائية لمبادلة العملات، أيضا بهدف تقليل الاعتماد على الدولار.
اليوم، كما الحال في حقبة الدوت كوم، يبدو أن الدولار يستفيد من وضعه باعتباره ملاذا آمنا، مع بيع معظم أسواق العالم ما لديها من أصول. لكن المستثمرين لا يسارعون لشراء الأصول الأمريكية. إنهم يقللون من مخاطرهم في كل مكان ويحتفظون بالأموال الناتجة بعملة الدولار، وهذه بالتأكيد ليست إشارة للثقة في الاقتصاد الأمريكي.