لطالما سيطرت الصين على أسواق واسعة على مستوى العالم بسبب تفوقها بالصناعة وامتلاكها العمالة الرخيصة، فأصبحت عبارة "صُنع في الصين" هي أكثر شيء يمكن ملاحظته على أي سلعة، بدايةً من قصاصات الأظفار وصولًا إلى الأدوات الكهربائية العملاقة والمحركات.
لكن هذه العبودية للسلع الصينية له ثمنٌ لن نلاحظه في الحاضر أو المستقبل القريب، بل سندفعه غاليًا يومًا ما. وقد فهمت العديد من الدول العربية ذلك، وبدأت بدعم المشاريع الصغيرة للتحرر من الارتباط الوثيق بالسلع الصينية حتى في أصغر الأمور.
في خذا الصدد، يبشر خبراء واقتصاديون، أن نمو قطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة في الدول العربية وتحديدًا السعودية والإمارات ومصر والمغرب، أسهم في استبدال المنتجات المستوردة من الصين ودول أوروبا بأخرى محلية الصنع.
ودللوا على نجاح تلك المشاريع، بتراجع قيمة الفاتورة الاستيرادية من المنتجات الخفيفة لبلادهم، والمحاولات التي تبذلها الشركات الصينية لاستعادة العقود التصديرية التي فقدتها مع الشركات العربية منذ بداية جائحة كورونا.
هذه الفجوة التي حدثت خلال الفترة الماضية، نبهت دول المنطقة إلى ضرورة إحياء الصناعة المحلية، وجعلت المصانع الصينية تشتكي حاليًا من تراجع طلبات التصدير إلى دول الشرق الأوسط وأوروبا، وبالأخص من منتجات الزينة وإكسسوارات الملابس الجاهزة والخيام.
ويؤكد هذا 12 مدير تصدير في شركات صينية بأن "الطلبات من العملاء عبر الحدود بدأت تجف، لأسباب بعضها يتعلق بإعادة ترتيب كل دولة خططها التصنيعية، وارتفاع معدلات التضخم"، حسب وكالة بلومبيرغ.
ويجدر بالذكر أن حجم التبادل التجاري بين الصين والدول العربية بلغ 224.3 مليار دولار، في نهاية عام 2018.
توجه جماعي للتحرر من تبعية السلع والمنتجات الصينية:
في معرض حديثه هن هذا الموضوع، قال "علاء السقطي"، رئيس الاتحاد المصري للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، إن الدول العربية تعد جردًا للمنتجات المستوردة، لتمكين المشاريع الصغيرة من تصنيعها، ومصر تتبنى هذه الإستراتيجية حاليًا.
وفي حديثه لوكالة "إرم نيوز" اعتبر "السقطي"، أن إكسسوارات الملابس (الأزرار، والسوست) ولعب الأطفال، وأدوات التعبئة والتغليف، ومنتجات الزينة تستورد من الصين لانخفاض سعرها، رغم أن هذه الأشياء سهلة التصنيع، لكنها تحتاج تحفيزا من القائمين على ملف الصناعة.
ويقصد بالمنشأة الصغيرة، بأنها كل شركة أو منشأة تمارس نشاطًا اقتصاديًا أو إنتاجيًا أو خدميًا أو تجاريًا، ويختلف رأس مالها ومبيعاتها السنوية، حسب كل دولة.
ووفق معطيات رسمية، بلغ عدد المنشآت للمشاريع المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر في مصر نحو 3.653 مليون منشأة، بعدد مشتغلين 9.7 مليون مشتغل، بإنتاج بلغ قيمته 1.237 تريليون جنيه.
ورأى رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين، المهندس "علي عيسي"، أن الأسواق العربية شهدت طفرة كبيرة في أعداد المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وهذا الأمر أسهم في تلبية احتياجاتها من المنتجات الخفيفة التي لا تطلب تكنولوجيا عالية.
وحول توقيت شكاوى المصانع الصينية من تراجع طلبات التصدير، اعتبر أن "توجه الدول إلى ترشيد الاستيراد نتيجة الأزمات الحالية، للحفاظ على العملة الصعبة، أنعش الصناعات الوطنية التي كانت تواجه إغراقًا من المنتجات المستوردة في الظروف العادية".
ويتوافق كلام رئيس جمعية رجال الأعمال، مع تصريحات رئيس اقتصادات الصين بشركة ”ماكواير غروب“ (Macquarie Group) لـ ”بلومبيرغ“ حيث قال: ”يتمثل الاتجاه العامّ في أنّ نموّ الصادرات سيتباطأ خلال الأشهُر المقبلة، وقد يبلغ منطقة سلبية مع حلول نهاية السنة الحالية، وسيكون تراجع الطلب على السلع المصنَّعة بالصين تدريجيا“.
المشاريع الوطنية الصغيرة تلبي طلب الأسواق العربية أمام أزمات سلاسل الإمداد:
وقال الخبير الاقتصادي الإماراتي، "حسين المشربك"، إن الحوافز التي منحت لقطاع المشاريع الصغيرة من قبل حكومة الإمارات عزز عملها خلال السنوات الماضية، حتى بدأت تصنيع أصناف كثيرة كانت تستورد“.
وفي حديثه لـ ”إرم نيوز“ أعتبر "المشربك"، أن المشاريع الصغيرة لعبت دورًا بارزًا في الدول العربية خلال جائحة كورونا في تلبية احتياجات السوق بعد تعرض سلاسل الإمداد لأزمة توريد.
وتابع: ”ما يحدث حاليًا مع الصين والدول المصدرة هو إعادة ترتيب أوراق الدول المستوردة بغرض ترشيد الاستيراد“.
وبحسب عضو الهيئة التنفيذية لمجلس سيدات أعمال أبوظبي، "هدى المطروشي"، فإن المشاريع الصغيرة والمتوسطة في الإمارات، تمثل ما يزيد على 94% من إجمالي عدد الشركات العاملة في الدولة موزعة بنسبة 73% في قطاع تجارة الجملة والتجزئة، و16% في قطاع الخدمات، و11% في قطاع الصناعة.
وقال أستاذ الاقتصاد المغربي بجامعة محمد الأول، "سفيان بنعلي"، إن عدد المشاريع الصغيرة تضاعف خلال السنوات الماضية في المغرب بهدف توفير المنتجات الوسيطة التي تحتاجها صانعة السيارات“.
وفسر "بنعلي" تراجع الطلب على المنتجات الصينية، بتحويل دفة الدول وتحديدًا العربية نحو التكامل الصناعي فيما بينها، بدلا من الاستيراد من دول بعيدة مثل الصين والهند وأمريكا.