ارتفاع مؤشر الدولار أمر لا يتعلق بدولة واحدة أو مجموعة دول فحسب، بل إن الدولار القوي هو مؤثر خطير يلقي بظلاله على اقتصادات العالم ككل... كيف لا ونحن نعلم أن أهم سلعة بالعالم (النفط) وأثمن معدن (الذهب) يرتبطان ويتأثران بشكل مباشر بالدولار.
لهذا السبب فإن ارتفاع مؤشر الدولار أكثر وأكثر يجعلنا نترقب تأثيرات حتمية ستحدث أو أنها حدثت فعلًا وستزيد، أهمها:
أولًا: الدول النامية والفقيرة... هكذا يمكن أن تتأثر
تُموّل الحكومات والشركات في كثير من الاقتصادات الناشئة نفسها عن طريق إصدار سندات بالدولار. أي أنها بتعبيرٍ آخر تستدين من الشركات والدول ومختلف الجهات الدائنة بالدولار الأمريكي وليس بعملتها المحلية. فمصر مثلًا لا تستدين بالجنيه المصري، لكنها ديونها بالدولار، مما يعني أن ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه سيكون كابوسًا للحكومة المستدينة.
وإذا أضفنا إلى ذلك عوامل أخرى مثل ارتفاع الفائدة على ديون الدولار، فستكتمل الصورة لدينا لنفهم جيدًا فداحة الوضع الذي تورطت فيه الحكومات المستدينة.
إضافةً إلى مسألة الديون، تعرّضت دول مثل تركيا ومصر، التي تستورد الكثير من موادها الخام لضربة مزدوجة. فمعظم السلع الأولية من النفط إلى القمح مسعّرة بالدولار، مما يعني أنها تدفع أكثر بعملاتها المحلية مقابل كل برميل أو بوشل تشتريه.
يأتي هذا في الوقت الذي وصلت فيه أسعار العديد من هذه المواد بالفعل إلى أعلى مستوياتها في عدة سنوات، بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، والتغيرات الحادة في الأحوال الجوية، وتبعات جائحة كوفيد-19.
والأمر سيتحول إلى نوع من الكوميديا السوداء حين نعرف أن هذه الدول إذا قررت الاستجابة للأمر برفع معدل الفائدة محليًا؛ لتوازي الفائدة المرتفعة على الدولار ولتخفيف حدة انهيار العملة وفداحة الديون، سيؤدي ذلك بالضرورة إلى قتل الاستثمارات الناشئة وتباطؤ الاقتصاد وسلسلة من الأحداث الدراماتيكية التي لن تنتهي على خير.
ثانيًا: المستفيدون من الدولار القوي
رغم السلبيات المذكورة أعلاه، يعد ارتفاع الدولار خبرًا سارًا في قليل من الحالات لدى سكان البلدان الفقيرة مثل المكسيك وغواتيمالا الذين يعتمدون على الأموال التي يرسلها العاملون في الولايات المتحدة.
وهو خبر جيد أيضًا للذين يحصلون على حوالات مالية من الخليج العربي، لأن عملات الخليج مربوطة مع الدولار وترتفع مع ارتفاعه بعلاقة طردية.
وبالمثل يجد العديد من الأجانب الدولار القوي الذي يطيح بعملات الدول النامية، كالليرة التركية، فرصة لا تعوض للحصول على عقارات واستثمارات رخيصة فيها. وبالفعل فإن شراء الأجانب للعقارات التركية قد زاد بشكل ملحوظ خلال العام الحالي.
إضافةً إلى ذلك، يُعدّ الدولار القوي أمرًا جيدًا للسياح الأمريكيين في الخارج، حيث الفنادق والوجبات والحقائب الفاخرة كلها أرخص ثمنًا. في حين العكس هو الصحيح بالنظر إلى مسافرين المتجهين إلى الولايات المتحدة، حيث ستزيد التكلفة عليهم.
وأيضًا، فإن تعادل الدولار مع اليورو يفيد الأميركيين المتوجهين إلى واحدة من 19 دولة تستخدم اليورو، حيث لا توجد حاجة إلى المزيد من العمليات الحسابية للتحويل بين الدولار واليورو. فيما سينعكس الوضع لدى السياح الأوروبيين في الولايات المتحدة.
ثالثًا: المتسوقون ومحبو الماركات العالمية
فيما يتعلق بالمتسوقين في جميع أنحاء العالم الذين يبحثون عن أفضل العلامات التجارية الأميركية، فإن الدولار القوي يعني أنهم قد ينتهي بهم الأمر إلى دفع المزيد لارتفاع الدولار بالنظر إلى العملة الوطنية ما لم يحاول الموزعون المحليون التخفيف من تأثير العملة مثل سلسلة مطاعم ماكدونالدز التي ضاعفت أسعارها بنسبة 50% في مصر.
إذا أخذنا سعر شطيرة البرغر مثالًا، يُظهر مؤشر بيغ ماك الذي تصدره مجلة إيكونومست، الذي يقارن سعر البرغر المنتشر في كل مكان حول العالم، أن العملة الأميركية قيمتها مرتفعة بشكل مبالغ فيه مقابل جميع العملات باستثناء بعض العملات، وبيج ماك أرخص لدى المسافر الأميركي في فنزويلا ورومانيا وإندونيسيا، والعكس صحيح في سويسرا والنرويج وأوروجواي.