تترقب موريتانيا حكومةً وشعبًا، أن تصبح عما قريب عملاقا في صناعة الغاز الطبيعي وتصديره إلى دول العالم وتحديدا إلى القارة الأوروبية، وذلك بعد اكتشاف كميات هائلة من هذا المورد الطبيعي الهام.
ويأتي هذا الاكتشاف في وقت تبحث أوروبا عن بدائل للغاز الروسي، بسبب الحرب في أوكرانيا المندلعة منذ فبراير/ شباط الماضي.
إذ تتجه الأنظار في الوقت الحالي صوب حقل "السلحفاة آحميم" في الحدود البحرية الموريتانية السنغالية والذي تقدر احتياطاته وحده بأكثر من 450 مليار متر مكعب من الغاز.
احتياطيات هائلة بكل معنى الكلمة... هل هي فرصة استبدال الغاز الروسي؟
يقول تقرير حديث صادر عن وكالة الطاقة الدولية، إن الاتحاد الأوروبي استورد نحو 155 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي الروسي خلال 2021، يمثل نحو 45 بالمئة من واردات أوروبا من الغاز، وما يقرب من 40 بالمئة من إجمالي استهلاك القارة.
وتركز بروكسل حاليا على دول منطقة جنوب المتوسط مثل مصر وليبيا ودولة الاحتلال الإسرائيلي، بالإضافة إلى لبنان التي تختلف معها بالحدود، كبدائل لغاز روسيا. أما مؤخرًا فقد انضمت موريتانيا إلى دائرة الاهتمام الأوروبي، بعدما ذكرت الدراسات أنها تمتلك ثروة هائلة من الغاز الطبيعي والغاز المسال.
وقدرت نواكشوط أن إجمالي احتياطيات الغاز المكتشف بأكثر من 100 تريليون متر مكعب، كما تقول إنها أكملت مخططات استغلال حقولها الخالصة منه.
إنتاج الغاز والنفط في موريتانيا... أين كانت طوال هذا الوقت؟
في الواقع إن موريتانيا لا تنتج حاليا سوى 5 آلاف برميل يوميا من النفط وكميات محدودة من الغاز الطبيعي، إلا أنها تستعد لدخول نادي الدول المصدرة للغاز العام المقبل، بعد اكتشاف كميات كبيرة منه على شواطئها. إذ يتوقع أن تبدأ تصدير أولى شحنات غازها المكتشف في عام 2023.
وفي آخر تصريح له أمام البرلمان، أكد الوزير الأول الموريتاني أن نسبة إنجاز الأشغال في مشروع "السلحفاة آحميم" بلغت 70%، ومؤخرا أقر البرلمان قانون عقد إضافي على اتفاقية التعاون المشترك بين موريتانيا والسنغال المتعلق بتطوير واستغلال الحقل المشترك.
وقال "عبد السلام ولد محمد صالح"، وزير البترول والمعادن والطاقة في موريتانيا إن احتياطيات الغاز المكتشف في بلاده تتميز بجودة عالية.
وأضاف أن جزءا كبيرا من هذه الاحتياطيات تقع في حقل "السلحفاة"، الذي تتقاسمه موريتانيا مع جارتها السنغال والذي تقدر احتياطياته بـ 25 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي عالي الجودة، بينما توجد بقية الكمية في المياه الإقليمية الخاصة بموريتانيا.
ما المميز في الغاز الموريتاني؟
يمتلك الغاز المُتكشف في موريتانيا ميزة إضافية من حيث تكاليف النقل والشحن، وهي ما يجعله أفضل من مثيله أمريكي المصدر. إذ يستغرق وقت إبحار شاحنات الغاز المسال للوصول إلى شمال غرب أوروبا ما بين 5 إلى 6 أيام، أي أقل من نصف وقت الشحن من الخليج الأميركي والساحل الشرقي للولايات المتحدة، الذي يتراوح ما بين 12 إلى 15 يوما.
ويرى مختصون أنه مع بدء استغلال احتياطات الغاز المكتشف، ستصبح موريتانيا هي الثالثة إفريقيا بعد نيجيريا والجزائر، في مجال تصدير الغاز.
لهذا السبب، يتوقع الخبراء أنه في حال طالت الأزمة الروسية الأوكرانية بالتزامن مع تقدم الأعمال في حقول النفط المشتركة بين موريتانيا والسنغال خصوصا حقل "بير الل"، سيكون بمقدور موريتانيا تغطية احتياجات السوق الأوروبية على عدة مراحل، مع الأخذ بعين الاعتبار المنافسة على تلك السوق مع الدول التي تحاول تعويض الإمدادات الروسية.
وفتحت اكتشافات الغاز الموريتاني الهائلة، شهية الشركات العالمية والأوروبية بشكل خاص، إذ تصاعدت خلال الفترة الأخيرة أنشطة الشركات العاملة في مجال النفط والغاز في موريتانيا.
ومن بين الشركات التي ترتبط بعقود مع الحكومة الموريتانية في مجال التنقيب عن النفط والغاز "بريتش بتروليوم" البريطانية، وشركتا "كوسموس إنرجي" و"إكسون موبيل" الأميركيتان، و"توتال" الفرنسية.
لكن الكثير من الاقتصاديين في البلاد لا يتوقعون أن يكون لاستغلال الغاز تأثير قوي على الاقتصاد الموريتاني، ما لم يكن هناك دور فعّال للشركات المحلية واليد العاملة الوطنية، مؤكدين أنه سيحقق مداخيل معتبرة ولكن تبقى الشركات الأجنبية المستفيد الأكبر في ظل عجز موريتانيا عن استخراج ثروتها الهائلة.