عند التطرق إلى موضوع الصراع الصيني الأمريكي فإن الحديث يتجاوز مجرد منافسة تجارية محتدمة بين بلدين، بل إن الأمر يمكن اعتباره – بدون مبالغة – على أنه صراع وجود بين قطبي القوة الشرقي والغربي في العالم.
قد تكون هذه الصراعات ضرورية لضمان توازن القوى وعدم تمادي أو طغيان جهة واحدة على الجميع، لكن التاريخ يخبرنا أن الأمور لا تبقى هكذا وأن الحروب تبدأ في كثيرٍ من الأحيان بشرارة أطماع تجارية أو مساعي للتوسع.
تأسيسًا على ذلك فإن الولايات المتحدة تحشد حلفاءها لمواجهة أخطر مشروع صيني توسعي في الشرق الأوسط وأفريقيا، وهو مشروع "الحزام والطريق" أو "طريق الحرير الجديد".
في آخر التطورات أطلق الرئيس الأميركي "جو بايدن"، مبادرةً جديدة لمجابهة الأطماع الصينية التي تضعها تحت عنوان "تعزيز التجارة والبنى التحتية"، عقب فشل حملة سابقة أُطلقت لنفس الغرض، إذ حَشَدَ "بايدن" دعم زعماء مجموعة الدول السبع الكبرى خلال قمّتهم المنعقدة في ألمانيا.
جابهت مبادرة "إعادة بناء عالم أفضل"، التي جرى تسميتها على اسم برنامج "بايدن" الخاص بالإنفاق المحلي والمناخ، صعوبة من أجل الانطلاق جراء عدم توافر عددٍ كافٍ من شركاء مجموعة السبع الذين يقدمون المساهمات المالية عندما جرى إزاحة الستار عنها قبل سنة.
ونوَّه مسؤولون أوروبيون بعدم قدرة إدارة "بايدن" على الحصول على التشريعات الاقتصادية الطموحة الخاصة بها عبر الكونغرس الأميركي.
وقال "بايدن" في أثناء فعالية على هامش القمة: "عندما تُبيِّن الديمقراطيات ما نستطيع فعله -بكل ما نمتلك لتقديمه- لا يوجد شك في أننا سنحرز الفوز في هذه المنافسة طَوال الوقت".
جرى تسمية هذا الإجراء من جديد باسم "الشراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار"، وتدعو الولايات المتحدة الزعماء من خلاله للموافقة على تمويل تدشين المشروعات في الدول ذات الدخل المتوسط والمنخفض لتبلغ قيمتها 600 مليار دولار على مدى الأعوام الخمسة القادمة.
ستقتصر تلك المشاريع غالباً على استثمارات من القطاع الخاص، مع جزء التمويل المقدم من قبل شركة تمويل التنمية الأميركية وبنك التصدير والاستيراد الأميركي والتزامات أخرى مقدمة من حكومات أجنبية.
وستشارك الولايات المتحدة بمبلغ يصل بالمجمل إلى 200 مليار دولار رغم أنه ليس من الواضح ما الفاصل بين تمويل القطاعين الخاص والعام، وطريقة تخطط الحكومة لإقناع الشركات بالمساهمة.
على أي حال فلا يجب النظر إلى هذه المبادرة على أنها دعم أو مساعدة للدول النامية، بل إنها استثمار وتوسع وامتداد لأطماع غربية موزاية للأطماع الصينية إن لم تكن أشد.
هل تستطيع الولايات المتحدة جمع هذا المبلغ الضخم وتحقيق مساعيها فعلًا؟
بسبب الحرب في أوكرانيا فقد خُففت التطلعات أساسًا. في حين جرى طرح بديل مباشر لبرنامج "الحزام والطريق" الخاصة بالرئيس الصيني شي جين بينغ، أشار المسؤول الأميركي إلى أنه لا يُعَدّ واقعياً مقارنة الدولارين في مقابل دولار واحد.
والدول المجتمعة غير متفقة تمامًا، إذ تتنافس كل دولة شريكة على وضع علامتها التجارية الخاصة بها على اتفاق الشراكة، لكنها جميعاً ستؤدي دورها تحت مظلة مبادرة "الشراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار".
تتمثل وجهة نظر فريق "بايدن" في أن الدول في كل أنحاء العالم تفيق على حقيقة أن مبادرة "الحزام والطريق" لم تسفر عن نتائج لصالحهم، وأنهم متقبلون للطرح البديل بقيادة الولايات المتحدة.
ما المشاريع التي يتم التخطيط لدعمها أو افتتاحها في الدول النامية؟
يأتي من بين المشروعات التي كُشف عنها خلال يوم الأحد، مشروعات للطاقة الشمسية في أنغولا بقيمة مليارَي دولار. وعقد تبلغ قيمته 600 مليون دولار لإنشاء كابل اتصالات بحري يربط بين سنغافورة وفرنسا عبر مصر ومنطقة القرن الأفريقي. وتوفير 14 مليون دولار لتمويل إجراء دراسة حول وضع تصميم لإنشاء رومانيا محطة نووية تجميعية صغيرة.
ويُعتبر قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات واحداً من بين 4 محاور إلى جانب قطاعَي الصحة والمناخ وقضية المساواة بين الجنسين، بما يخدم الإيدلوجيا الغربية.
ويشتمل ذلك أيضًا، على توفير بدائل لشركة الاتصالات الصينية العملاقة "هواوي تكنولوجيز" لإنشاء شبكات الجيل الخامس، وتشييد مراكز رعاية الأطفال.
قال المسؤول إنّ الولايات المتحدة ستضع تركيزها أيضاً على الاستثمار في المشروعات التي تسهم في أمن سلاسل التوريد عبر جعل الولايات المتحدة وحلفاء آخرين أقل اعتمادية على الصين
ما هي مبادرة الحزام والطريق التي يخشاها الغرب؟
تقوم مبادرة "الحزام والطريق" -النهج التنموي الذي تتبناه الصين- على إحياء طريق الحرير القديم؛ من أجل تعزيز الترابط والاعتماد المتبادل في ظل التغيرات الهائلة التي يشهدها العالم على مستوى الاقتصاد والتوازنات الجيوسياسية.
وتسعى الصين من خلال هذا المشروع للوصول إلى أسواق جديدة وتأمين سلاسل التوريد العالمية التي ستساعدها في تحقيق نمو اقتصادي مستدام وضمان الاستقرار الاجتماعي.
وقد زادت الصين من مشاركتها في منطقة الشرق الأوسط خلال الأعوام القليلة الماضية، وأقامت علاقات ودية مع مجموعة متنوعة من الدول، بما في ذلك تلك الموجودة على جوانب مختلفة من الانقسامات الإقليمية.
ويعتبر الشرق الأوسط من أكثر المناطق أهمية بالنسبة للصين، لأنه يقع على مفترق طرق 3 قارات مهمة، أوروبا وأفريقيا وآسيا. ويُعتقد أن كل هذه القارات مرتبطة بمشروع مبادرة الحزام والطريق الصيني.
وتقع هذه المنطقة أيضا عند تقاطعات طرق النفط التي تكتسي أهمية كبيرة بالنسبة للصين لتلبية احتياجاتها المتزايدة من الطاقة، وتمثل دول الشرق الأوسط الأسواق المحتملة للصين من حيث الموارد، وهي أيضا بوابة إلى الأسواق الأخرى في العالم.
وتعمل الصين حاليا على زيادة مشاركتها الاقتصادية والإستراتيجية والدبلوماسية مع دول هذه المنطقة، ولا تخدم هذه الاستثمارات مصالح الصين فحسب، بل تخدم أيضا دول الشرق الأوسط التي تحلم بتطوير وتعزيز اقتصاداتها لدعم قاعدة الاستقرار الاجتماعي.
إضافةً إلى كل ذلك من المفيد التنويه إلى أن الشرق الأوسط هو الأقرب إلى القنوات البحرية الإستراتيجية الأربعة: البوسفور والدردنيل وباب المندب ومضيق هرمز، الذي تمر عبره معظم التجارة الصينية.