ينتظر الجميع قرار الفيدرالي الحاسم حول رفع الفائدة مساء اليوم الأربعاء الموافق لـ 15 حزيران/ يونيو. والفارق هذه المرة أن الجدل ليس حول فيما إذا كان سيتم رفع الفائدة أم لا، بل بخصوص نسبة الرفع بحد ذاتها.
على العموم، من المتوقع أن تكون الزيادة في أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس، وقد تصل إلى 75 نقطة أساس وفقًا لتحليلات وتوقعات من مختصين، مما سيعد حينها أكبر زيادة تشهدها أسعار الفائدة منذ عام 1994.
يأتي كل ذلك بعدما خفض الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة إلى الصفر في بداية جائحة كورونا لمنع حدوث انكماش اقتصادي حاد، وزاد مشتريات السندات لضخ السيولة في النظام المالي، لكنه بدأ في التراجع عن تلك الإجراءات في مارس/ آذار بزيادة نسبة الفائدة بربع نقطة.
كيف ستتفاعل الدول العربية؟
في رفع الفائدة السابق، تفاعلت البنوك المركزية في العديد من الدول العربية بأن تقوم هي الأخرى بدورها بزيادة أسعار الفائدة استجابة لقرارات الفيدرالي الأميركي بالزيادة.
وفي هذه الأثناء يؤكد "مهند عريقات"، كبير المحللين في مجموعة "سي أف أي" المالية أن "أي قرار برفع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة سيقابله قرار مماثل في غالبية الدول العربية".
وأشار في حديثه لوكالة إعلامية شهيرة إلى أن "الولايات المتحدة أمام معركة في مواجهة التضخم، والتي قد تتحرك بعنف بزيادة أسعار الفائدة إذ تشير بعض التقارير إلى أن الزيادة قد تصل لـ 100 نقطة أساس".
من جهته قال المحلل الاقتصادي، الدكتور "جمال المصري" إن اللحاق بقرار الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، "أمر حتمي خاصة لتلك الدول التي لديها أسعار صرف ثابتة مرتبطة بالدولار"، مشيرا إلى أن البنوك المركزية لبعض الدول العربية في شمال إفريقيا قد تنتظر قرارات تخفيض أسعار الفائدة من قبل البنك المركزي الأوروبي لارتباط تعاملاتها بشكل كبير بعملة اليورو.
ويشرح "المصري" في حديث للوكالة ذاتها أن "السياسة النقدية تسعى دائما لحل معضلة توفير هيكل أسعار فائدة ملائم، يحافظ على هامش سعر فائدة مناسب بين أدوات العملة المحلية وأدوات الدولار الأميركي".
وأفاد بأن أسعار الفائدة تكون استجابة البنوك معها "سريعة" في حالة الزيادة من قبل البنوك المركزية، ولكنها تكون "ضعيفة ومحدودة" في حالة انخفاضها.
ورجح "المصري" أن نشهد استجابة "فورية" من قبل العديد من البنوك المركزية العربية مع قرار الاحتياطي الأميركي.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، يتعلق بمصير الاقتصادات العربية الضعيفة من بعض جوانب الاستثمار والصناعة، والتي تستورد بالدولار وتستدين بالدولار، فلأي درجة ستصمد أمام "الدولار القوي"، وإلى متى سيمكن الاستمرار بـ "التقليد الأعمى" لقرارات الفيدرالي الأمريكي التي يبدو أن أصحابها بحد ذاتهم متخبطين وغير واثقين منها.
ميزان التضخم والركود... هل يفسده حمل الفائدة المرتفعة؟
رفع أسعار الفائدة الرئيسية، يشجع الاحتياطي الفيدرالي المصارف على منح قروض أكثر تكلفة لعملائها المستقبليين. بالتالي، فإن ذلك سيجعل الناس تعزف عن الاستهلاك والإنتاج والاستثمار لصالح الادخار الآمن. ولهذا يتعين على الاحتياطي الفيدرالي الانخراط في عملية توازن دقيقة لإبطاء التضخم دون أن يثقل كاهل النمو الاقتصادي كثيرا.
أما عن محاكاة هذا السيناريو في الدول العربية فقد أوضح "عريقات" أن "البنوك المركزية في الدول العربية قد تتشارك مع الاحتياطي الفيدرالي في جهوده لمواجهة التضخم، لكنها أيضا تريد الحفاظ على جاذبية العملة المحلية، وعلى قوتها الشرائية".
وقال إن "تحقيق الاستقرار النقدي في هذه الأوقات أمر أساسي أمام البنوك المركزية، بالحفاظ على الهامش بين أسعار الفائدة على الدولار وبين العملة المحلية، لتجنب ما يسمى بالدولرة، للحفاظ على النمو الاقتصادي وتشجيع الاستثمار".
واعتبر أن "الدول العربية شأنها شأن بقية دول العالم أمام تحد كبير لاستمرار النمو الاقتصادي فيها، خاصة أن زيادة أسعار الفائدة يعني رفع تكاليف الإقراض، الأمرُ الذي سيزيد التكاليف على مجمل النشاطات الاقتصادية، ما قد يعني الإحجام عن إقامة المشاريع الكبرى، الذي قد يؤثر سلبا على معدلات النمو والبطالة".
أما الخبير "جمال المصري" فيرى أنه بالنسبة للدول التي تنتهج سعر صرف مرتبط بالدولار لعملاتها، فإن قرارات رفع أسعار الفائدة لا تأتي لمواجهة التضخم، ولكنها تهدف لاستمرار الحفاظ على جاذبية العملة المحلية للاستثمار، والحفاظ على مستوى ملائم من الاحتياطيات الأجنبية.
ويبقى التخوف الأكبر عربيًا وعالميًا، أن ينتهي طريق رفع الفائدة العسير هذا متسببًا بالركود التضخمي، فتكون الفائدة المرتفعة قد صقلت أنياب التضخم بدلًا من القضاء عليه.