أوضح بحث جديد قام به دكتور مختص في مجال الهندسة النووية، أن الطاقة النووية المنتجة في مفاعلات صغيرة تقدم بديلاً مثاليًا للوقود الأحفوري (من الناحية العملية ومن ناحية الحفاظ على البيئة)، وهي قادرة على تلبية متطلبات الطاقة المتزايدة في العالم، وفي نفس الوقت خفض انبعاثات الكربون وملوثات الهواء.
في التفاصيل، فقد ذكرت صحيفة ”ديلي بيست“ الأمريكية، يوم الخميس الماضي، أن الدكتور "صولا طالبي"، وهو مؤلف البحث والأستاذ المساعد في الهندسة النووية بجامعة بيتسبرغ الأمريكية، يعتقد أن الطاقة النووية لديها القدرة على حل أكبر مشكلتين يعاني منهما العالم حاليًا، وهما فقر الطاقة العالمي والاحتباس الحراري.
الجدير بالذكر أن المفاعلات النووية الصغيرة هي من المفاهيم الحديثة في قطاع الطاقة المدنية، لكنها كانت تستخدم في تشغيل السفن والغواصات البحرية لما يقرب من 70 عامًا.
وكدلالة على أمان وسلامة هذه المصادر، فسبق أن استخدمت البحرية الأمريكية أكثر من 5400 من المفاعلات النووية، والتي أبحرت لمسافات طويلة وصلت إلى أكثر من 130 مليون ميل، دون وقوع حادث إشعاعي واحد أو وفاة مرتبطة بالإشعاع.
ويجدر بالذكر هنا أيضًا أن الطاقة النووية توفر وحدها حوالي 20% من طاقة الولايات المتحدة، وكل ذلك من المفاعلات القديمة على نطاق واسع.
لماذا يخشى العالم من التوسع بالطاقة النووية إذا كانت فعالة لهذه الدرجة؟
تسببت الحوادث الناجمة عن استخدام الطاقة النووية في الماضي مثل حادثة ”جزيرة الثلاثة أميال“، و“تشرنوبيل“ و“فوكوشيما“، بالخوف منها وضعف الدعم العام لاستخدامها. كما لا تزال الصناعة تواجه العديد من المشاكل المالية والمتعلقة بسلسلة التوريد.
ومع ذلك، يصر الدكتور "طالبي"، في حديثه مع صحيفة ”ديلي بيست“، على أنه يمكن التقليل من هذه المشكلات عن طريق تصغير حجم المفاعلات النووية. مؤكدًا أن المفاعلات الصغيرة المتقدمة أكثر أمانًا من المفاعلات واسعة النطاق.
وتتمثل أسوأ السيناريوهات بالنسبة للمحطات النووية التقليدية بفقدان المبرد أو فقدان التدفق، حيث تفقد المحطة قدرتها على إزالة الحرارة الناتجة عن الوقود، مما يؤدي إلى ذوبان الطاقة النووية. بينما تستفيد المفاعلات الصغيرة المتقدمة من التصميم المتطور للقضاء على احتمال وقوع مثل هذه الحوادث.
ويتم دورانها عبر أساس مكونات الطاقة النووية، باستخدام الحمل الحراري (ارتفاع الماء الساخن + أحواض الماء البارد)، لذلك يمكن لمحطة الطاقة النووية إزالة الحرارة الناتجة عن الوقود حتى في حالة فقد الطاقة الكهربائية. كما تم تصميم الجيل الجديد من المفاعلات الصغيرة المتقدمة بحيث لا يتطلب نظام ضغط.
وقال "طالبي" في هذا الصدد: ”حتى في حال حدوث انهيار لأساس مكونات الطاقة النووية، فإن المفاعلات المعيارية الصغيرة المتقدمة تكون آمنة بشكل ملحوظ“.
وفصّل في البيان بإثباتاتٍ علمية أن الجيل الجديد من المفاعلات المعيارية الصغيرة تلغي الحاجة إلى تنشيط أنظمة أمان من قبل المشغلين البشريين.
ماذا عن مشاكل التكلفة... هل لدينا ما يكفي من المال لتشغيل هكذا مفاعلات؟
بغض النظر عن السلامة، فإن أحد أكبر مخاوف الخبراء بشأن المفاعلات المعيارية الصغيرة هو تكلفتها.
فيما يتعلق بذلك، كشف الباحث أن العديد من الأنظمة التي تستخدم في المفاعلات واسعة النطاق، مثل تلك التي تحافظ على الضغط وتدفق المبرد في أساس مكونات الطاقة النووية، لن يتم تصغيرها في المحطات الصغيرة، وسيتم التخلص منها.
ولذلك يجب أن تكون المفاعلات المعيارية الصغيرة أيضًا أقل تكلفة لأنها يمكن أن تكون مصنّعة في المصنع، وسيكون إنتاج أجزائها الأصغر أسهل على المزيد من الشركات المصنعة، بحسب الباحث.
عيوب المفاعلات الصغيرة:
على الرغم من تفاؤل "طالبي" بإمكانيات المفاعلات المعيارية الصغيرة، إلا أنه يقر بأن لديها بعض العيوب، أهمها:
- قد يؤدي استخدامها على نطاق واسع إلى خفض انبعاثات الكربون، ولكنه يتطلب زيادة تعدين اليورانيوم.
- كما أنها تخلق خطرًا أمنيًا، حيث سيتعين نقل الوقود النووي بين آلاف المواقع، وقد تكون مواقع المفاعلات مستهدفة من قبل الدول المتحاربة.
- من العيوب كذلك أن القوانين الحكومية تفشل في تفسير الاختلافات بين المفاعلات الصغيرة ومتوسطة الحجم والمفاعلات واسعة النطاق، مما يعيق بناءها.
- البلدان النامية بحاجة ماسة إلى الطاقة الكهربائية، لكنها تفتقر تمامًا إلى البنية التحتية التنظيمية لقبول تكنولوجيا المفاعلات الصغيرة.
ويعتقد "طالبي" أن إمكانات الشركات الصغيرة والمتوسطة في حل تغير المناخ وفقر الطاقة العالمي تفوق مخاطرها بكثير، وتجعل التغلب على عقباتها أمرًا يستحق العناء.