لطالما كان كسب المال عملًا شاقًا يتطلب الكثير من الجهد؛ أما الثراء فالجهد وحده لا يكفيه، بل سيحتاج الإنسان إلى الحنكة والكثير من التوفيق والحظ والمهارات المختلفة لتحقيقه. لذلك فإن المال السهل أو الكسب السريع هو نقطة ضعف أغلب البشر وحلمهم على مر التاريخ.
يستغل المحتالون هذا الأمر ويستهدفون حتى أكثر الأشخاص حرصًا وارتيابًا، فيدفعونهم للإقدام على "استثمارات" غير محسوبة العواقب، يقدمها المحتالون على أنها وصفة سحرية لتكوين الثروة في وقت وجيز، دون الحاجة لخوض "المخاطر" التي عادة ما تتطلبها الاستثمارات الحقيقية.
في هذا الصدد يشتهر"نموذج بونزي"، كواحدة من الطرق التي يتبعها بعض المحتالين للنصب على ضحاياهم الذين يكونون عادة بالمئات. ونلاحظ انتشار أسلوب الاحتيال الخطير هذا في سوريا ومنطقة الشرق الأوسط خصوصًا، حيث يعمد المحتالون إلى استغلال نسب البطالة المرتفعة وأوضاع الناس المادية السيئة.
من هو بونزي وكيف يعمل أسلوبه بالاحتيال؟
استلهمت هذه الطريقة في النصب اسمها من الإيطالي "كارلو بونزي"، الذي هاجر إلى الولايات المتحدة سنة 1903 واستقر في بوسطن حيث عمل نادلاً بأحد المطاعم، لكن سلوكه الاحتيالي في الحصول على الإكراميات من الزبائن تسبب في طرده.
الفكرة في الأساس كانت تبنى على سلسلة من الاستثمارات المتراكمة، حيث يعد "بونزي" ضحاياه بنسبة فوائد معينة على الاستثمارات التي يقومون بها، ليدفع هذه الفوائد من المبالغ التي يودعها المستثمرون الجدد لديه، لكن هذا المخطط كان محكومًا عليه بالفشل منذ البداية، إذ لم يجد "بونزي" ما يكفي من المال للدفع بعد أن أصبح عدد "المستثمرين" القدامى أكثر من المستثمرين الجدد.
درس المحتالون هذه الفكرة وطوروا عليها، ولما كانت نقطة الضعف الأهم هي أن عدد المستثمرين الجدد يتناقص تدريجيًا مقارنةً مع المستثمرين القدامى، كان الحل الأمثل متركزًا في 3 نقاط:
- تقديم جوائز مالية أو نسب معينة من الأرباح عن كل مستثمر جديد ينجح المستثمرون (الضحايا) القدماء في إقناعه بالانضمام إلى شبكة الاحتيال ورهن أمواله بين يدين المحتالين (أصحاب الشبكة).
- تقديم أرباح سريعة ومجزية بحيث تكون كفيلةً بإرجاع رأس المال كاملًا لعدد من الضحايا (خصوصًا أولئك الذين يضعون مبالغ متواضعة)، لاكتساب المصداقية والثقة.
- بدلًا من نظام احتيال معقد وضخم يضم عددًا كبيرًا من الناس لفترة طويلة، القيام بعمليات احتيال سريعة والانسحاب فورًا بمجرد الحصول على مبلغ معين وفقًا للخطة.
أشهر عملية احتيال عبر التاريخ وفق نموذج بونزي:
انتشر هذا المخطط الاحتيالي حول العالم وتطور بشكل كبير ومعقد مع مرور السنوات، وراهن منفذوه دائما على "جشع" ورغبة الضحايا في تحقيق الغنى السريع.
لكن اسمًا واحدًا برز أكثر من غيره هو "برنار مادوف"، الرئيس الأسبق لبورصة ناسداك، والذي يعد المحرك لأكبر عملية نصب في التاريخ جمع من خلالها ما يقارب 65 مليار دولار واستهدفت ضحايا من عشرات الدول حول العالم.
وعلى عكس "بونزي" المحتال البسيط، كان "مادوف" قريبًا من عالم المال والأعمال واستهدف أشخاصًا من هذا المحيط من المفترض أن تكون لهم دراية بعمليات النصب هذه. وبالرغم من ذلك، انطلت الحيلة على عدد هائل من الأفراد والمؤسسات الدولية وحتى البنوك.
لكن في النهاية، اكتشف أمره وحكم عليه في 2009 بالسجن لـ 150 عاماً، هناك حيث توفي في الـ 14 أبريل/ نيسان 2021 عن عمر يناهز 82 عاماً.
وفي العالم العربي، وفي مصر بالتحديد أواخر الثمانينات، استلهم "أحمد توفيق عبد الفتاح الريان" هذه التجربة عبر شركة "الريان" التي كانت تسوّق نفسها كمؤسسة لإعادة توظيف الأموال، حيث كانت تعد "المستثمرين" بعائدات وفوائد عالية مقارنة مع نسب الفائدة التي كانت تقترحها البنوك المصرية آنذاك.
ومثل "مادوف" انتهت قصة "الريان" في السجن الذي قضى فيه 23 عاماً بعد فترة من الشد والجذب مع القضاء والسلطات المصرية لإعادة مليارات الجنيهات من الأموال المنهوبة.