بعدما كانت بالنسبة لبعض المراقبين والخبراء مجرد أصل مالي للمضاربة، أو فقاعة قد تنفجر في محافظ من يحملونها، أصبحت العملات المشفرة أداة مالية فعالة لا مناص من الاعتراف بها خلال الآونة الأخيرة.
ولعبت العملات المشفرة دورها بالحرب بشكلٍ لافت، حيث برزت كالسيف ذي الحدين، فاستفادت منها كافة أطراف الصراع، وبانت على وقع ذلك آفاق وأهداف جديدة لعالم الكريبتو، ليبرز كتهديد جدي ولا يستهان به للمركزية المالية الغربية.
العملات المشفرة في يد الروس:
قالت "كريستين لاغارد"، رئيسة "البنك المركزي الأوروبي"، إن هناك مؤشرات على محاولة بعض الروس تجاوز العقوبات الدولية المفروضة على روسيا بسبب حربها ضد أوكرانيا، وذلك من خلال تحويل الروبل الروسي إلى عملات رقمية أو عملات مشفرة ثابتة.
ونقلت وكالة "بلومبرغ" عن "لاغارد" قولها خلال مؤتمر عبر الإنترنت مساء الثلاثاء: "عندما تنظر إلى حجم تحويلات الروبل إلى عملات مشفرة ثابتة أو عملات رقمية في هذه اللحظة، فستجد أنه عند أعلى مستوياته ربما منذ 2021".
وأضافت أن الأصول المشفرة "تستخدم بالتأكيد، ونحن نتحدث الآن، بصفتها طريقة للالتفاف على العقوبات التي فرضها كثير من الدول حول العالم على روسيا".
يذكر أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي اتخذا إجراءات تستهدف الحد من قدرة روسيا على التعامل بالدولار وغيره من العملات الدولية الأخرى. وتتضمن هذه الإجراءات فرض عقوبات على البنوك الروسية الكبرى وقيود على تعاملات النخبة الروسية. وأدى هذا إلى ظهور تكهنات بإمكانية استخدام العملات الرقمية المشفرة التي تعرف بأنها بديل للعملات الرسمية، من جانب الأثرياء الروس للالتفاف على العقوبات الدولية.
العملات المشفرة بالنسبة لحكومة أوكرانيا:
كانت أوكرانيا قد بدأت بالفعل في احتضان العملات المشفرة قبل حربها مع روسيا، حيث احتلت البلاد المرتبة الرابعة في تبني العملة المشفرة بين مواطنيها في مؤشر عالمي من قبل مجموعة أبحاث التشفير Chainalysis، العام الماضي، بحسب Financial Times، لكن الصراع كان بمثابة حافز لطموحات الحكومة لبناء اقتصاد مبتكر صديق للبلوكشين.
وقد عانت أوكرانيا بسبب القيود على استخدام العملات الورقية وكانت الإمدادات تنفد بسرعة، ومع صعوبة الدفع نقدًا الذي قد يستغرق بضعة أيام للوصول إلى المستلم، فإن التحويل في عالم التشفير يستغرق دقائق.
وجمعت الحكومة أكثر من 100 مليون دولار من التبرعات بالعملات المشفرة منذ بدء الحرب. في حين يتضاءل هذا الرقم مقارنة بالمليارات من المساعدات من الحكومات الغربية وصندوق النقد الدولي، فإن نائب وزير وزارة التحول الرقمي الأوكرانية، "أليكس بورنياكوف"، أشار إلى أهمية العملات المشفرة التي أصبحت أداة أساسية للحرب، وتوفر مزايا المرونة والسرعة.
أوضح "بورنياكوف": "إنه لإنجاز عظيم للحكومة أن تعين كوادر من الشباب، ما يجعلنا أكثر حماسًا واستعدادًا لقبول التغييرات".
ولا ننسى أيضًا أن العملات المشفرة التي جمعتها الحكومة الأوكرانية كانت عن طريق تبرعات فردية أو من شركات متفرقة، بدون ضخ إعلامي أو تشجيع كبير على استخدام المحافظ الإلكترونية كوسيلة تبرع.
وقد تكون – برأي الخبراء - مجرد تجربة لعملية حشد شعبية واسعة بهدف تأمين تمويلات ضخمة لأهداف معينة، خصوصًا لو ترافق ذلك مع ضخ إعلامي وتشجيع رسمي.