التضخم الحاصل في الأسواق العالمية، وتأثير سعر النفط عليه، هو أشبه بما يسميه الخبراء "تأثير الدومينو"؛ ذلك أن ارتفاع سعر النفط لم يؤثر على المحروقات والصناعة فحسب بل وصل إلى ما يتجاوز ذلك بكثير، متسببًا بحالة من الغلاء المتسلسل طالت الغذاء والدواء والمأكل والملبس والمسكن.
وقد تناولت صحيفة "إيكونوميست" البريطانية هذا الموضوع في أحدث تقاريرها، إذ أكدت أن تقلبات أسعار النفط بالأسواق العالمية تعكس التفاعل القائم بين القوى الجيوسياسية والاقتصادية التي تعصف بالعالم اليوم، بدءًا من الحرب وصولًا إلى ارتفاع أسعار الفائدة وفيروس كورونا.
وأشارت الصحيفة إلى 3 مصادر كبرى لعدم اليقين في سوق النفط، هي التي ستحكم على أسعاره مستقبلًا:
أولا: العقوبات على روسيا
فرض الغرب عقوبات اقتصادية على روسيا، وحظرت الولايات المتحدة واردات النفط الروسي، وحتى في البلدان التي لم تتخذ نفس الخطوة؛ يكافح المشترون المحتملون للتعامل مع الوسطاء الماليين الروس الذين انقطعت عنهم الإمدادات المالية العالمية نتيجة للعقوبات، وهم يخشون فرض عقوبات جديدة.
ونقلت الصحيفة عن الوكالة الدولية للطاقة قولها إن الأسواق الدولية قد تواجه عجزًا قدره 3 ملايين برميل من النفط يوميًّا اعتبارًا من أبريل/نيسان نتيجة لذلك، مبينة أن الفجوة بين أسعار خام برنت ونفط الأورال أبرز مثال على الاضطراب في السوق العالمية.
ولا مناص من القول إن ذلك يمنح السعودية والإمارات العربية المتحدة نفوذا هائلا باعتبارهما البلدين الأكثر قدرة على تعويض جزء كبير من النفط الروسي.
ولكن حتى الآن، قاوم البَلدان مناشدات لزيادة الإنتاج بشكل كبير، في وقت أكدت منظمة أوبك وحلفاؤها (بما في ذلك روسيا) خططهم الحالية لزيادة الإنتاج الإجمالي بمقدار 400 ألف برميل يوميًّا.
ثانيا: المراهنة على إنتاج النفط الصخري الأميركي
خلال طفرة التصديع المائي الأولى (عمليات تكسير هيدروليكية للصخور الزيتية)، التي استمرت من عام 2010 إلى عام 2015، ارتفع الإنتاج الأميركي، مما تسبب في انخفاض أسعار النفط وإضعاف سيطرة أوبك، ولكن وضع الاقتصاد الأميركي تغير بشكل كبير منذ ذلك الحين، مما ترك المحللين الصناعيين متشككين من أن النفط الصخري يمكن أن يرتقي إلى مستوى التحدي.
وتشرح الصحيفة أنه في البداية؛ كانت شروط التمويل أقل تشجيعًا مما كانت عليه خلال طفرة الإنتاج بين عامي 2010 و2015، ومن المتوقع أن يرفع الاحتياطي الفدرالي أسعار الفائدة عدة مرات هذا العام والعام المقبل؛ حيث تراجعت عوائد سندات الخزانة لمدة عامين بنسبة 2%، مقارنة بمستويات بلغت أقل من 1% والتي استمرت خلال معظم فترات الازدهار الماضية.
وفي المقابل، فإن نقص العمالة يمثل عائقًا آخر للإنتاج في الولايات المتحدة، فقد كان هناك ما يزيد قليلا على 128 ألف شخص يعملون في استخراج النفط والغاز في الولايات المتحدة في فبراير/شباط، مقارنة بأكثر من 200 ألف عامل في أواخر عام 2014.
ومع بلوغ معدل البطالة 3.8% وكفاح أرباب العمل لملء الوظائف الشاغرة بالفعل، فإن العثور على عشرات الآلاف من العمال للانتقال في جميع أنحاء البلاد لن يكون عملا سهلا.
ثالثا: المخاوف بشأن الطلب
علاوةً على كل ما سبق، فإن المشكلة الأكثر إزعاجًا لتقلب أسعار النفط تتعلق بتذبذب بالطلب، وجزء كبير من الذنب يقع هنا على عاتق الصين التي تصر على استراتيجية "صفر كوفيد"، فالمصانع الصينية الكبرى لم ترسو على برٍ حتى الآن، وما زلنا نسمع يوميًا عن مدينة صينية تُعزل هنا وسلسلة مصانع تغلق هناك.
فيما يشير مركز "بلاتس أناليتيكس" لأبحاث للسلع الأساسية إلى أن القيود الصينية قد تخفض الطلب على النفط بمقدار 650 ألف برميل يوميا في مارس/آذار الجاري، وهو ما يعادل تقريبًا إنتاج فنزويلا من النفط.
وترى الصحيفة أنه حتى قبل بدء عمليات الإغلاق؛ كانت هناك علامات مقلقة على تباطؤ الاقتصاد الصيني، ولا سيما في قطاع العقارات، فقد انخفضت عائدات مبيعات الأراضي، التي تعتبر أهم دخل للحكومات المحلية الصينية، بنسبة 30%، على أساس سنوي، في شهري يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط.
ومؤخرًا بلغ مؤشر سوق الأوراق المالية هانغ سنغ أدنى مستوى له منذ 5 أعوام، حيث انخفض بنحو 50% منذ بداية الوباء.
وفي الوقت نفسه، تكافح السلطات من أجل كبح جماح النفوذ في قطاع العقارات ورغبتها في الحفاظ على نمو الاقتصاد بشكل ثابت، وأي علامة على تزايد التباطؤ في أكبر مستورد للطاقة في العالم يعني المزيد من الاضطرابات في أسواق السلع.
قد تعتقدون أن هذا سيترجم إلى انخفاض في أسعار النفط، لكن المشكلة ليست بهذه البساطة، بل تتخللها الكثير من التعقيدات التي تجعل ترجيح أي سيناريو محتمل أمرًا غاية في الصعوبة.