طرحت صحيفة "تشرين" التابعة للحكومة مؤخرًا موضوع عقود الهبة، وادعت أنها طريقة ذاع صيتها في البيوع العقارية من أجل تجاوز عمليات الإيداع وتجنب المزيد من النفقات المالية.
في المقابل، أكد خبراء ومراقبون بطلان هذه الطريقة وعدم فعاليتها، وإن كان بالإمكان تنفيذها، فذلك عبر شروطٍ خاصة ومحددة للغاية.
في التفاصيل، فقد نقلت صحيفة "تشرين"، عن "جمال وافي"، وهو أحد العاملين في تخليص المعاملات في ريف دمشق، قوله إن "الإقبال متزايد على عقود "الهبة"، ونسبة استخدامها حالياً تزيد على 70%، خاصة في ريف دمشق، والسبب هو التهرب من الإشعار المصرفي لكون إجراءات البنوك صعبة جداً وتحتوي على تعقيدات لا يراها البائع أو الشاري سلسة".
ونفى "الوافي" حدوث أي إشكال في أثناء تنظيم عقود الهبة، وأن معظم زبائنه في ريف دمشق يطالبون بإبرامها في البيوع العقارية.
ولفت إلى أن بعض عمليات البيع أو الشراء تتم على مراحل وخاصة في حالات الاشتراك بالملكية العقارية لأكثر من شخص، وهنا لا الشاري يقبل ولا البائع أن يتم إيداع 5 ملايين لكل من الأطراف المشتركة في العقار. وبالتالي يتم اللجوء إلى عقد الهبة الذي لا يتطلب عملية إيداع في المصارف، وباستثناء عملية الإيداع تبقى إجراءات البيع والشراء واحدة سواء بالنسبة لقانون البيوع العقاري الجديد أو القديم.
ونقلت الصحيفة أيضاً عن "فراس اللحام"، وهو صاحب أحد المكاتب العقارية، قوله إن "البيوع بموجب عقد الهبة مرتفعة ويوازيها أيضاً الفراغ بموجب حكم محكمة وخاصة بالنسبة للتجار الذين يبيعون أكثر من عقار في فترات متزامنة، ولكن بهذه الحالة تترتب أعباء مادية مختلفة على الشاري رغم أنه يتجاوز خطوة الإيداع المصرفي في البنوك باعتبار أن البيع تم بموجب حكم محكمة".
وأضاف أن "العملية برمتها تتم بالتراضي عبر الاتفاق بين البائع والشاري، ولكن أيضاً لهذه الخطوة سلبيات بحيث يترتب على الشاري دفع تكاليف إتمام عملية الفراغ وقد تصل التكاليف لحدود مليوني ليرة حيث تحتاج إلى توكيل محامين".
هل عقود الهبة ذات جدوى فعلًا:
على عكس الكلام الذي نقلته الصحيفة، يؤكد مختصون وخبراء أن الأمر ليس بهذه السلاسة كما قد يبان من الوهلة الأولى. إذ أن معاملات الهبة لها شروط خاصة، أهمها وجوب إبرامها بين الأقارب من الأصول والفروع حصرًا (أب لابنه أو ابن لأبيه)، حتى يمكن قبولها برسوم مخفّضة وبدون إيداعات بنكية.
والجدير بالذكر أن معاملات الهبة بين الأصول والفروع من الأقارب هي أصلًا لا تحتاج لقرار محكمة، بل تتم الفراغة بشكل مباشر من المالية إلى السجل العقاري.
ولا يفوتنا أن ننوه إلى إمكانية تصفية (وليس إجراء) عقود الهبة بين غير الأقارب، لكن في حالة واحدة فقط تحدث عندما يذهب الطرفان المتعاقدان إلى المحكمة، ويبرزان عقد هبة بتاريخ قديم (قبل قرار وجوب الإيداع البنكي)، ويتم ذلك بموجب حكم محكمة يكلف حوالي مليون ليرة سورية.
في هذه الحالة فإن الطرفان سيحصلان على حق الاستثناء، لأن عملية التعاقد قد تمت أساسًا بتاريخ قديم، وقد تم توثيقها بقرار المحكمة وبوضع إشارة الدعوى بالصحيفة العقارية بتاريخ إبرام العقد بناءً على ذلك؛ حينها فقط يمكن أن يستفيدا من حكم المحكمة بالاستثناء من الوديعة البنكية.
وعند قصد المحكمة للمطالبة بحق الاستثناء، فإنها ستتأكد من كافة الأوراق والثبوتيات والبصمات، مما يعني أن إمكانية التحايل أو التزوير للاستفادة من الاستثناء بدون استحقاقه شبه معدومة.
في سياقٍ متصل، يشهد سوق العقارات في سوريا حالة من الركود والكساد، في ظل ارتفاع المعروض مقارنة بالطلب الضعيف الناجم عن الانخفاض في القدرة الشرائية للمواطن السوري.
وتأتي قرارات الحكومة الأخيرة القاضية برفع الدعم عن آلاف العائلات السورية، لتزيد المخاوف من لجوء الأهالي إلى بيع أملاكهم في سبيل البقاء تحت مظلة الدعم، كونه مُنِعَ عن أصحاب العقارات والسيارات ضمن شرائح معينة، كما حال بعض أصحاب السجلات التجارية، مما سيؤدي إلى ارتفاع المعروض أكثر وتفاقم حالة الكساد.