لا شك أن صعود الصين كقوة اقتصادية وتجارية خلال العقود الأخيرة، هي ظاهرة لها آثار عالمية قريبة وبعيدة المدى، خاصة فيما يتعلق بالتبادل التجاري بين بكين ودول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي. فالصين خلال الوقت الحالي تتقدم ببطء ولكن بثبات، تاركةً وراءها القوة الكبرى تتنازع وتستنزف بعضها.
حيث أظهرت الأرقام التي نشرتها مؤسسة ”المجلس الأطلسي“، توسعا لحجم التبادل التجاري مع دول أمريكا اللاتينية الذي بدأ بـ 12 مليار دولار في مطلع الألفية، ووصل إلى حوالي 315 مليار دولار بعد عشرين عاما، ومن المتوقع أن يصل إلى حوالي 700 مليار دولار بحلول عام 2035.
وتم تحديد عام 2035 من عدة دوائر بحثية مختلفة، حيث من المتوقع أن تصبح الصين بحلول ذلك الوقت، الاقتصاد الأول في العالم وقبل الولايات المتحدة.
وبحسب صحيفة ”لا ريبوبليكا“ الكولومبية، هناك أربعة سيناريوهات محتملة للتدفقات التجارية في المنطقة حتى عام 2035، حيث يمكن أن تنتج تحولات وآثار جيوسياسية لهذه التغييرات.
ويأتي السيناريو الأول بعنوان ”المسار الحالي“، الذي يفترض أنه بحلول عام 2035 وعلى الرغم من النمو الصيني، ستظل الولايات المتحدة الشريك التجاري الرئيسي لأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي.
كما يتوقع في هذا السيناريو، أن تزيد التجارة بين الصين وأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي 1.8 مرة من معدل توسع التجارة العالمية لتصل إلى 700 مليار دولار، أي أكثر من ضعف أرقام عام 2020.
السيناريو الثاني المسمى ”شركاء في التدفق“ يفترض أن الصين في عام 2035، ستتجاوز بالفعل الولايات المتحدة باعتبارها الاقتصاد الرائد في العالم، وسيؤدي التطور إلى درجة منخفضة تاريخيا من التبعية التجارية لدول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي مع الولايات المتحدة.
وفي عام 2020، كانت دول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، تعتمد على الولايات المتحدة في الصادرات أكثر بثلاث مرات تقريبا من اعتمادها على الصين.
ويتوقع بحلول عام 2035، أن تتخلف الولايات المتحدة عن الصين بنسبة 1.2%، لتصبح الصين وجهة تصدير لأكثر من 40% من صادرات دول مثل البرازيل وتشيلي وبيرو.
وفي سيناريو ثالث نشهد ما يطلق عليه ”نهاية الطفرة الزراعية“، وسيتغير فيه التكوين القطاعي لصادرات دول أمريكا اللاتينية إلى الصين خلال الثلاثة عشر عاما المقبلة.
وعلى وجه الخصوص، ستتم ملاحظة انخفاض مستمر في حصة شحنات السلع الزراعية، وهذا السيناريو له آثار مهمة على الحكومات والشركات، حيث شكلت المنتجات الزراعية حوالي ثلث صادرات المنطقة إلى الصين في عام 2020.
وبالتوازي مع ذلك السيناريو، ستستمر تجارة السلع في المنطقة مع الصين، مثل المواد الخام والمعادن، في الزيادة ولكن بمعدل أبطأ، وبحلول عام 2035، يمكن أن تمثل الصين 45% من إجمالي صادرات السلع من دول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، مقارنة بـ 3% في عام 2000.
ويوصف السيناريو الرابع بأنه ”عمل متواصل“، حيث يظهر مستوى غير مسبوق من التبعية التجارية بين الصين ودول أمريكا اللاتينية، مدفوعا إلى حد كبير بالواردات المتزايدة للمنطقة من الصين.
وبحلول عام 2035، ستكون الصين بديلا للولايات المتحدة، كمصدر رئيسي للواردات لدى عدد كبير من دول المنطقة، بالإضافة إلى ذلك، يشير هذا السيناريو أيضا إلى العجز التجاري المرتفع تاريخيا للمنطقة في علاقاتها مع الصين، وهي قضية شائكة يمكن أن تثير نقاشات سياسية كبيرة.
ختامًا، لا ننكر أنه من الصعب توقع ما يمكن أن يحدث في العالم خلال عام واحد فقط، فضلا عن توقع ما سيحدث في السنوات الثلاث عشرة المقبلة. ومع ذلك، يتيح لنا هذا النوع من التوقعات طرح سيناريوهات لفهم أفضل لما سيكون عليه اتخاذ قرارات السياسة العامة، والاستفادة بشكل أفضل من التغييرات الهيكلية في التجارة العالمية وتدفقات الاستثمار.
وعلى أي حال، فإن التنين الصيني يستمر بالمضي قدمًا، وبغض النظر عن المنظور الذي تُرى الصين من خلاله، فهي تؤثر بشكل كبير على التدفقات التجارية في أمريكا اللاتينية وأيضًا على الهيمنة التاريخية التي كانت قد فرضتها الولايات المتحدة على المنطقة.