أشهر من النار على العلم... من منا لم يسمع بسلسلة مطاعم البيك، بل من ذا الذي ذهب إلى الخليج واستطاع أن يقاوم تذوق وجباتها وخوض هذه التجربة التي يتحدث عنها الجميع؟
في الواقع إن قصة نجاح "البيك" لم تبدأ من وجباتهم الشهية، أو تسويقهم الذكي، لكنها قصة تبدأ من رجلٍ بسيط سعى وراء رزقه وأخذ بالأسباب وصبر طويلًا، فكان السداد والتوفيق من نصيب أولاده بعد وفاته، بدلًا من أن يكون له في حياته.
بذرة النجاح... لماذا لا أفعلها بنفسي؟
بطل قصتنا هو مواطن فلسطيني اسمه "شكور أبو غزالة"، كان مقيماً في المملكة العربية السعودية مثله مثل ملايين المقيمين العرب في ذلك الوقت.
شهد "أبو غزالة" في تلك الأيام فترة الطفرة الاقتصادية الكبرى التي حدثت في البلاد بعد تدفّق الثروة النفطية، وتوسع الحكومة السعـودية في مشاريع الإعمار الضخمة التي شملت كافة المدن والأقاليم.
لاحظ الرجل أن مفهوم الوجبات السريعة بدأ ينتشر في المملكة، حيث ظهرت العلامات التجارية الكبرى المعتادة مثل ماكدونالدز وكنتاكي، وبدأ المواطنون والمقيمون بتناول الجبات السريعة خارج المنازل خلال فترات الدوام أو العمل، مما حوّل الوجبات السريعة إلى ثقافة مستشرية في المجتمع السعودي كامتداد للثقافة العالمية.
عندما يصادف أحدنا علامة تجارية كبرى، تراه يهرب من المنافسة معها، فالتمويل الذي يُدفع لأحد إعلاناتها قد يكون أكبر من تمويل مشروعه بالكامل. لكن "أبو غزالة" فكّر بشكلٍ مختلف وقال "لماذا لا أفعلها أنا؟ لماذا لا أقوم أنا بتأسيس مطعم على غرار هذه المطاعم، يقدم وجبات شبيهة بأسلوب يجعله منافساً للعلامات التجارية العالمية القادمة إلى المملكة؟"
ولم يكن قراره عبارة عن نزوة أو فكرة كتلك التي تأتي ببال أحدنا قبل النوم، بل إنه نظر للأمر بشكل عملي تطبيقي وبدأ فورًا في عمل دراسة بخصوص تأسيس مشروع وجبات سريعة في المملكة، على أن يبدأ بالبروست، وهي وجبات قطع الدجاج والبهارات، على غرار كنتاكي.
وهكذا بعد القيام بدراسة الجدوى ودراسة التمويل والتكاليف، قرر أن يبدأ المشروع بشراء حق امتياز تجاري من الخارج.
طريق وعر:
سافر "أبو غزالة" إلى الخارج متعاقداً مع شركة للوجبات السريعة، وحصل على عقد فرنشايز (حق الامتياز) حصري لإدارة أعمالها في الخليج، مفتتحاً أول الفروع في مدينة جدة عام 1974.
بعد عملٍ طويل، بات كل شيء جاهزًا، كل المعدات جاهزة، كل طرق التشغيل واضحة أمامه، ولا يوجد شيء واحد لم يفعله. لم يكن ينقصه إلا الزبائن، ولم يكن يتبقى ما يمكن فعله إلا انتظارهم.
انتظر "أبو غزالة" طويلًا، لكن النتائج كانت مخيبة للآمال؛ فلم يتجاوب الناس مع هذه النوعية من الوجبات، ولم يحقق المطعم أي نتائج إيجابية، وبدا واضحاً أن الفشل حتمي.
وإذا كان كل ما حدث لا يكفي، فقد اكتملت القصة التراجيدية بالوفاة المفاجئة لـ "أبو غزالة"، وبالتالي تمّ سحب العلامة التجارية من السعودية.
هل يستسلم الأولاد بعد وفاة والدهم؟
كان لـ "أبو غزالة" ولدان هما، رامي وإحسان، وقد ورثا عن والدهما ديوناً هائلة، ورسائل بنكية مستمرة تحذر أنه إما أن يقوما بتسديد الديون، أو سيتم الحجز على جميع ممتلكات العائلة.
على الرغم من تراكم الديون، ولا عقلانية الموقف في ذلك الحين، إلا أن الأمل لم ينقطع عند الأبناء في إكمال حلم بدأه الأب.
قرر رامي وإحسان أن يقوما بتصفية جميع أعمال والدهما الأخرى، والتفرغ بشكل كامل للعمل في مجال المطاعم، وتكثيف الجهود لتسديد الديون وشق طريقهما إلى المستقبل. فبدأت خلطة البيك في الظهور، ولا نتحدث هنا عن الخلطة السرية للطعام، بل عن خلطة أكثر أهمية مكوناتها "العمل والتعلّم والصبر".
ركّـز "رامي" على استئناف العمل في مدينة جدة من خلال مكتب صغير بسيط للغاية، بينما سـافر إحسان إلى فرنسا لدراسة الإدارة.
ومع قدوم الثمانينيات، سعى كل من الأخوين أن يميّـزا المطعم الذين يعملان عليه، خصوصاً مع انتشار وجبات البروست سريعًا في السعودية، ونشوء عدد كبير من المنافسين. فتم اختيار اسم (البيك) كعلامة تجارية جديدة للمطعم، وتقديم خلطات مختلفة ومميزة لوجبات الدجاج.
ثمرة الصبر:
بعد الصبر في طريقٍ طويل ووعر، نجحت خطة الأخوين في لفت أنظار المجتمع السعودي هذه المرة، خصوصاً مع طريقة التقديم السريعة والمختلفة عن غيرها.
كان التركيز بشكل كامل على نظام إدارة ممتاز، وتقديم الوجبات بخلطات سرية شهية. ولم يكن صاحبا المطعم يجلسان خلف الطاولات أو وراء أبواب المكاتب، بل تواجدا مع الموظفين جنبًا إلى جنب، وتابعا كل كبيرة وصغيرة، حتى اكتمل المشروع ونجح وانتشر.
في عام 2000، تم افتتاح مصنع "أقوات" التابع للبيك، وهو المصنع الذي يمد المطاعم بالوجبات والخلطات السريعة، الأمر الذي ساعد في الانتشار بشكل أكبر في السعودية والخليج، وزاد من عدد فروعه لتعم كافة مدن المملكة والكثير من مدن المنطقة، ولتتحول سلسلة مطاعم البيك إلى واحدة من أشهر المطاعم في المنطقة.
مختصر أسباب وعوامل النجاح:
- حب الناس للمطعم سواء العاملين، أو الزبائن على حد سواء.
- جودة الخدمة المقدمة، وجودة الطعام، وعدم تغير نكهة الطعام.
- التركيز على فكرة المسؤولية المجتمعية، وخدمة المجتمع، والناس، والتركيز على التفاعل معهم.
- ويوجد أيضًا سبب يتداوله الكثير من الناس وهو التبرع بريال صدفة عن كل وجبة للمحتاجين، وهذا سبب لتحقيق البركة في الأموال.
- الاعتماد على سياسة التنافس المرتكزة على الجودة، والمصداقية.
- الاعتماد على سياسة الربح طويل المدى، فظل المطعم يبيع الوجبة ب 10 ريال على مدار 25 عامًا.
- تفضيل الاستقلالية، والابتعاد عن الوصفات الجاهزة والخلطات التجارية.