دخلت الليرة السورية طوال الأشهر الماضية في حالة من السبات، وهو أفضل من وصفها بالاستقرار؛ لأن التداولات كانت ضعيفة للغاية وتحول السوق من وظيفته الطبيعية المتمثلة في عكس الواقع الاقتصادي والمالي للبلد، إلى سوقٍ مخنوق لا يستطيع أن يعكس إلا الأرقام التي تفرضها عليه الحكومة.
وهكذا استمرت الأسعار بالارتفاع، ونسب التضخم بالتزايد، والليرة لا تتفاعل إلا بشكل بسيط لا يستحق الذكر. لكن ذلك لم يكن مؤشرًا صحيًا كما حذر الخبراء، فاليد الحكومية التي تخنق تداولات الليرة في الأسواق ضعيفة، ولن تقوى أمام هزات اقتصادية قوية، أو أزمات واسعة النطاق.
وتأسيسًا على ذلك، يمكننا تفسير وصول الليرة إلى مستويات 3780 مقابل الدولار في تداولات البارحة، بأنه نتيجة طبيعية للأزمة العالمية وحصار الحليف الروسي الذي كان يعد المنفذ المالي شبه الوحيد للحكومة والبنوك السورية مع دول العالم.
على المستوى النظري، فإن ارتفاع سعر صرف الدولار في سوريا بنسبة 2 أو 3 بالمائة ليس بالأمر الجلل، بل إن تداولات الليرة قبل تطبيق سياسة خنق الأسواق كانت تصعد أو تهبط يوميًا ضمن نسب مقاربة.
لكن عمليًا، يمكن أن يعني ما يحصل حاليًا ذوبان قطعة الجليد، وارتجاف القبضة التي تخنق الأسواق بقوة. وإذا صحت هذه الفرضية، ستبدأ الليرة في اتباع سلوك كرة الثلج، التي تتدحرج من أعلى الجبل وهي كرة صغيرة، وتستمر بالهبوط إلى أن يحصل الانهيار الثلجي.
وموضع الكلامِ هو موضع سردٍ وتجريد لمعطيات الواقع، لا موضع تحليلٍ أو تنبؤ. ذلك أن العملة السورية لا تخضع للتحليل الفني أو الأساسي، بل تخضع لعوامل أخرى مميزة خاصة بها.
على عكس العادة... تصريحات حكومية غير مبشرة:
قال وزير الصناعة السوري "زياد صباغ"، إن "الحرب تتوسع وما نعيشه أشبه بحرب عالمية وعلينا توقع كل شيء".
وأضاف الوزير "وضعنا في اجتماعنا الحكومي الأخير مع التجار والصناعيين خطط بديلة واحترازية لتأمين المقومات الأساسية لحياة المواطن".
وأشار إلى أن المرحلة المقبلة قد تكون أصعب، و"سنواجه معوقات بتأمين بعض المواد وعلينا تأمين خطط بديلة لحل هذه المعوقات".
في الاتجاه المقابل، حذر الخبير الاقتصادي "عامر شهدا" أنه "في حال استمرت الحرب في أوكرانيا، فإن اقتصاد سوريا سيتجه للأسوأ".
وأوضح "شهدا" لإذاعة "ميلودي إف إم" المقربة من الحكومة أن "سوريا ستتأثر بعملية التحويلات المالية نتيجة الوضع الأوكراني، بسبب وجود ارتباطات مع مصارف روسيّة، وكذلك سنتأثر من حيث المشتقات النفطية، وعمليات استيراد الأعلاف والقمح".
وقال: "بسبب تعطل عمليات الاستيراد سترتفع الأسعار، ونحن بطبيعة الحال نعاني، وأعتقد أن قطاع الدواجن سيتوقف عن العمل، بسبب إيقاف استيراد الذرة من أوكرانيا، كما ستتأثر عملية استيراد الزيوت النباتية".
واعتبر أن قرارات الحكومة الأخيرة نتيجة تداعيات الهجوم على أوكرانيا ليست كفيلة بمعالجة الوضع، مضيفاً: "نحن في قلب أزمة وأتت أزمة أشد منها، وسوريا تعتمد على استيرادات كثيرة من أوكرانيا وروسيا".
وأشار "شهدا" إلى أن "فرض عقوبات اقتصادية على روسيا، سينعكس سلبا على سوريا قطعاً، فضلاً عن ارتفاع باقي أسعار السلع المستوردة من دول أخرى، نظراً لارتفاع المشتقات النفطية وارتفاع أسعار النقل".
وأضاف أنه "في المرحلة القادمة ستتأثر القطاعات الإنتاجية المعتمدة على الاستيراد من أوكرانيا وروسيا، وإذا استمرت الحرب طويلاً فنحن قادمون على الأسوأ، وإذا توقفت الحرب خلال أسبوع فنحتاج 6 أشهر حتى نعود للوضع الذي نحن عليه قبل بدء الحرب".