جدلية العلاقة بين الاقتصاد والسياسة...من الخادم ومن السيد؟

21/07/2021

إن طبيعة العلاقة بين الاقتصاد والسياسة هي من أكثر الأمور جدليةً وتعقيداً، حيث يقال إن أحد أصعب علوم الاقتصاد هو الاقتصاد السياسي، وذلك بسبب التشابك الواضح بينهما واستعمال أحدهما للآخر في كافة الدول والمدنيات الحديثة، مما أدى إلى خلق جدل واسع بين الخبراء حول السؤال التالي: من يتحكم بالآخر الاقتصاد أم السياسة؟

في الواقع إن الاقتصاد يجب أن يكون نظرياً منفصلاً عن السياسة تماماً، فالاقتصادي المثالي يجب ان يرفض اي انحياز سياسي او محاباة لكي يعطي معلومات محايدة وتوصيات غير منحازة حول كيفية تحسين الأداء الاقتصادي للبلد، أما السياسيون المنتخبون يقومون لاحقا بتقييم هذه المعلومات الاقتصادية واتخاذ القرارات على ضوئها. لكن الواقع مختلف بشكل كبير فنرى أن الأداء الاقتصادي هو الميدان الرئيسي للمعارك السياسية، والعديد من القضايا الاقتصادية هي بطبيعتها سياسية لأنها تتأطر بآراء منحازة لطرف سياسي معين.

أصحاب الرأي الأول: الاقتصاد هو المتحكم في السياسة

يعتقد أصحاب هذا الرأي بأن الاقتصاد شأنا أم أبينا هو المحرك الأساسي للسياسة، وإلا فلماذا تقام الحروب ولماذا نجد تحالفات دولية بين ملل وأمم ذات عقائد وأفكار وجذور مختلفة تماماً، ونجد حروب بين أهل العرق الواحد؟

الجواب بالتأكيد هو المصالح الاقتصادية، فحين يتعلق الأمر باكتساب أرباح والسيطرة على حقول نفط وغاز أو فتح طرق للتجارة تهون كل الاختلافات وتتميع جميع القضايا وتذوب الفروقات العرقية والفكرية عند السياسيين، لتصبح الكلمة الأولى للمال.

يستشهد أصحاب هذا الرأي بالدول الأوربية الكبرى، التي لملمت جراحها وتجاوزت خلافاتها التي فرضتها الأيدولوجيات السياسية في الحربين العالميتين الأولى والثانية في سبيل مصالح اقتصادية مشتركة لتشكل بعد ذلك واحدة من أكبر القوى الاقتصادية على مستوى العالم.

مثال آخر قد أطفأ فيه دفأ العلاقات الاقتصادية اللهيب السياسي، هو العلاقة الاقتصادية المتينة التي استطاع الاتحاد الأوربي تشكيلها مع روسيا الاشتراكية رغم كل الخلافات والفروقات السياسية الهائلة بين البلدين. وعلى النقيض تماماً فبالرغم من الاتفاق السياسي والعسكري بين الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن كل ذلك لم يسعف الاتحاد الأوربي حين اصطدمت وتعاكست مصالحهما الاقتصادية، لتقوم الولايات المتحدة بدون أدنى تردد بفرض رسوم جمركية على بعض المنتجات الأوربية أهمها واردات الألمنيوم والصلب، ضاربةً بذلك كل الاتفاقات السياسية والعسكرية عرض الحائط.

أصحاب الرأي الثاني: السياسة هي السيد والاقتصاد ما هو إلا أداة

يرى أتباع هذا الرأي أن الحكم على الاقتصاد بأنه المهيمن على السياسة من خلال النظر إلى طبيعة التحالفات والتجاذبات ذات البعد الاقتصادي في المنطقة هو حكم قاصر ولا يكفي لإيضاح الصورة بشكلها الصحيح.

فمهما التقت المصالح الاقتصادية ستبقى العلاقات المبنية عليها علاقات هشة وحزرة متعلقة باستمرار تدفق السيولة وتحقيق المكاسب المشتركة، أما العلاقات السياسية فهي متعلقة بامتلاك الهدف والمبدأ نفسه أو هدف مشابه لذلك فهي أكثر قوة وحين يبان لنا أنها تضعف أمام الاقتصاد فما ذلك إلا حيلة سياسية من القادة والزعماء ليوهموا شريكهم الاقتصادي بالأمان ويستمروا بالاستفادة منه.

فالاقتصاد ما هو إلا وسيلة لتحقيق أهداف سياسية كما تكون السيارة وسيلة للوصول إلى وجهتك، فالاقتصاد هو عربة الدول التي تقودها نحو فرض نظامها ورؤيتها السياسية باستخدامه.

 قد تبدو الدول الرأسمالية لنا وكأنها خاضعة لمصالحها الاقتصادية ومدارة من زاوية اقتصادية حادة لا تسمح لها برؤية ما هو أبعد من المكاسب المالية والتوسع الاقتصادي، لكن الحقيقة ليست كذلك فالتوسع الاقتصادي يترافق بالضرورة مع فرض مبادئ الدولة المسيطرة على العالم عن طريق تطبيق مفاهيم العولمة وما إلى ذلك، أما اعتقادنا أن المتحكم في هذه الدول هو الاقتصاد والمال فهو أكبر دليل على استطاعتهم فرض آرائهم وتوجهاتهم علينا وجعلنا ننظر بطريقتهم الرأسمالية البحتة.

فالنتيجة التي يتوصل إليها أصحاب هذه الرؤية، هي أن الاقتصاد مهما بدا مسيطراً فما هو إلا دمية متحركة على مسرح العالم يمسك بخيوطها من وراء الستار سياسيون وزعماء أصحاب مآرب خفية، وهي وسيلتهم لتقديم العرض أو الخدعة التي يريدونها للمتفرجين بدون أدنى اعتراض، فكل ما بالأمر بالنسبة لهم أن الدمية تتحرك وتقدم عرض جيد ولا يهتم أحد باليد التي تحرك الخيوط.

شارك رأيك بتعليق

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات متعلقة: