في مثالٍ ليس عنا ببعيد، شهدت الليرة التركية في الأشهر الماضية تحسنا مفاجئًا وكبيرًا فاق الثلاثين بالمئة لتستقر نسبيا عند 13 ل/ لكل دولار، بعد أن وصلت 18 ل/ دولار قبل ذلك بساعة.
وهذا يدفعنا للتساؤل؛ ما الذي يسبب انخفاض وصعود عملة ما بنسبة كبيرة في لحظة واحدة كما حدث حينها؟
المحددات المادية لسعر صرف العملة
يحدد سعرَ صرف عملةٍ ما -تتبع نظام السوق الحرة- كميةُ الطلب على هذه العملة. وكميةُ الطلب يغْذيها أو يُنقصها عدةُ أسبابٍ مادية؛ اقتصاديةٍ وسياسيةٍ وعسكرية.
فبخصوص العوامل الاقتصادية يشرح الرئيس التنفيذي لشركة الدار لأعمال الصرافة "جمعة المعضادي" في حديثه مع وكالة الجزيرة أن قيمة العملة تتحدد بما لدى هذا البلد من ثروات واحتياطات طبيعية (غاز، نفط، معادن…) وبشكل أشمل بما لدى الدولة من أصول أيا كان مصدرها. كما تستند قيمة وقوة العملة أيضا إلى حجم الاحتياطات النقدية، والقدرة الإنتاجية والتصديرية للبلاد.
ومن الجانب السياسي فإن ثمة عوامل سياسية تدعم مكانة العملة، مثل القوة العسكرية والانتشار الجغرافي للدولة وربط تجارة بعض السلع المهمة في العالم (النفط نموذجا) بعملة معينة، كما هو الحال في الدولار الأميركي.
هل للعامل النفسي دور في الأمر؟
الاقتصاد مهما تعددت نظرياته فهو يحاول في الأساس فهم الناس ثم بناء النظريات التي تساهم في إنجاح الفكرة الاقتصادية المطلوبة التي تفيد هؤلاء الناس أنفسهم. وكلما كان توقع عالم الاقتصاد أقرب للحقيقة كانت صحة النظرية ونفعها كذلك. وبالطبع فإن هنالك عوامل مادية عديدة تلعب دورا هاماً في تحديد أي نتيجة اقتصادية، ذكرنا بعضها بالفقرة السابقة، لكن الحقيقة أن كل ذلك راجع لمؤشر واحد وهو [كمية الطلب على هذه العملة] وهذا المؤشر يعود لـمحدد غير ثابت وهو [نفسية الإنسان] في هذا السوق بشكل أو بآخر. فخوف الناس قادر على قلب الاقتصاد رأساً على عقب حتى دون تحرك شيء في الاقتصاد الحقيقي، وثقتهم ستدفع العملة للتحسن والاستقرار.
خذ مثلاً ما يحصل في تركيا، فالمتوقع عند خفض الفائدة على المدى الطويل أن ينخفض التضخم لكن لأن للعامل النفسي حجرُ الأساس في هذه العملة كان الناس في خوف من الاضطرابات الحاصلة وبالتالي توجهت لشراء العملات الصعبة أو الذهب أو حتى العملات الرقمية، وبالتالي قل الطلب على الليرة وبالتالي انخفاض قيمتها.
لكن عند خروج الرئيس التركي أمس وإعلانه عن إصلاحات مالية وتعديلات على الضرائب تصب في مصلحة الشعب والعملة تحسنت الليرة مباشرة مع أن أيّاً من الإصلاحات لم يتمَّ بعد.
مثال تخيلي مبني على هذه الحقيقة
تناولت إحدى الروايات هذه المشكلة موضَّحة في قصة طريفة ستساعد في تبينك لهذا الأمر. تحدثت عن مشكلة في اقتصاد أحد البلدان نتج عن خبر لسرقة احتياطي البلد من الذهب، فبدأت الدولة بالانهيار اقتصاديا مباشرة، فكان الحل أن تُمثل الدولة أنها قبضت على اللصوص مع الذهب المفقود أمام الكاميرات. مع أنه كان بالحقيقة نحاسا مطليا بلون الذهب، لكن السوق تعافى مباشرة.
كذلك فإن خطر إفلاس البنوك ينتج عن خوف الناس من عدم استطاعتهم من استرداد أموالهم في الأزمات فيهجم جميع عملائه مرة واحدة ليسحب مستحقاته وبما أن البنك لا يحتفظ إلا بنسبة من المال الذي يودعه العميل فيقع في مشكلة عدم إمكانية الإيفاء مباشرة ولذلك يقع في خطر الإفلاس.