البنوك المركزية تُفني أموالنا والبيتكوين قد ينقذها... حقيقة الجانب المظلم من الاقتصاد الحديث

01/04/2022

لدى كثيرٍ من الناس في مجتمعاتنا العربية وفي المجتمعات الغربية أيضًا، حتى اللحظة، فكرة ثابتة أن البيتكوين والعملات الرقمية هما وهمٌ وسرقة لأموال العباد، معتبرين أن البيتكيون لا يمكن أن يصبح كالعملات الحكومية.

في الواقع إن أصحاب هذا الرأي محقين في نقطة واحدة فقط، هي أن البيتكوين لا يمكن أن يصبح كالعملات الحكومية، لأن العملات الحكومية في الواقع أضعف وأقل قيمة من البيتكوين، وإذا كان قياسنا معتمدًا على معايير علمية فلا مقارنة بين البيتكوين الذي يتطلب جهدًا جبارًا لإنتاجه، والعملات الحكومية التي تنتجها البنوك من العدم.

لكن لحظة، ما معنى أن العملات الوطنية تظهر من العدم، هل هذا كلام منطقي أن تكون عملة قوية مثل الدولار تشتري عقارات وأراضي ومصانع مصدرها لا شيء؟!

الجواب للأسف هو نعم، العملات الحكومية مصدرها حرفيًا لا شيء. وقبل أن تتعجل بالاستغراب تابعنا معنا في السطور التالية وسنوضح لك الصورة الكاملة...

كيف يمكن أن تأتي الأموال من العدم؟

بدايةً، دعنا نطرح عليك هذا السؤال: الذهب يحتاج إلى تعدين ومناجم لاستخراجه، والبيتكوين يحتاج عمليات برمجية معقدة وصعبة تسمى بالتعدين الإلكتروني أيضًا، إذن ماذا تحتاج العملات الحكومية كالدولار واليورو من أجل طباعتها وطرحها في السوق؟

لن نجيب على هذا السؤال بكلام علمي مقعر قد يتعسر فهمه، بل سنطرح مثالًا من المفترض أن يكون لم يغب عن أذهاننا بعد ما حدث في الولايات المتحدة عام 2020، وقد شرحته منصة TED الشهيرة في إحدى محاضراتها نلخصها لكم:

 في مارس/ آذار 2020، هزت جائحة كوفيد-19 أركان الاقتصادات في كل دول العالم. حيث فقدَ ملايين الأشخاص وظائفهم وصارعت العديد من الشركات من أجل النجاة أو أغلقت بالكامل.

وكانت استجابة أغلب الحكومات هي منح أحد أكبر حزم الإغاثة الاقتصادية على مر التاريخ. إذ أنفقت الولايات المتحدة لوحدها 2.2 تريليون دولار في المرحلة الأولى من الإغاثة. إذن من أين أتت كل هذه الأموال؟

بشكل تقليدي، ومع توفر المزيد من السيولة في أيدي الناس، يمكن لمصنعي السلع مثل المواد الغذائية والملابس والسيارات الاستجابة للطلب برفع الأسعار ببساطة، بدلاً من تصنيع المزيد من هذه السلع وخلق وظائف جديدة نتيجة لذلك. ومعنى ذلك أنه لم يعد بإمكانك شراء نفس القدر من السلع بنفس المبلغ، وهذه حالة تعرف باسم التضخم.

لأن الأسلوب التقليدي له نتائج سلبية مباشرة وسريعة، فقد جربت البنوك المركزية نهجاً يسمى التيسير الكمي لحقن الاقتصاد بالنقود مع الإبقاء على مخاطر تضخم حاد منخفضة. في هذا النهج يرفع البنك المركزي من التدفق النقدي عن طريق شراء سندات كيان آخر.

السندات بتعريفها البسيط، هي أصول مالية تشترى من الحكومة أو من جهة غير حكومية، بهدف تمويل هذه الجهة بالسيولة مقابل الحصول على سند يضمن لك استرداد المبلغ الذي دفعته مع فائدة محددة تسمى العائد على السند.

حينما تشتري سنداً مالياً، فأنت بذلك تقرض المال للشركة أو الحكومة، ولهذا يشار أحياناً لشراء السندات بشراء الديون.

عندما يشتري الفرد سنداً مالياً فإنه بذلك يستخدم أموالاً متداولة أصلاً. ولكن خمنوا ماذا سيحدث عندما يشتري البنك المركزي السندات؟

الجواب ببساطة أنه حينها يستحدث نقوداً من العدم، موفراً بذلك أموالاً لم تكن موجودة من قبل مقابل سندات.

خلال الأزمة المالية لعامي 2008 و2009 ومرة ​​أخرى في 2020، اشترى البنك المركزي في الولايات المتحدة، المسمى بالاحتياطي الفدرالي، سندات من حكومة الولايات المتحدة تسمى سندات الخزينة. وعلى مر التاريخ، اشترى كثير من الناس هذه السندات بصفتها استثماراً آمناً، مع العلم أن حكومة الولايات المتحدة ستسددها مع الفائدة.

في أوائل 2020، تعهد الاحتياطي الفيدرالي بشراء سندات خزينة غير محدودة، وإقراض الحكومة الأمريكية مبلغاً غير مسبوق من المال، وهي أموال نقدية استخدمتها الحكومة لتمويل جهود الإغاثة مثل شيكات التحفيز وإعانات البطالة.

هذا لا يعادل طباعة النقود ببساطة، رغم أنه قد يبدو مشابها لذلك. بسبب طريقة تسعير السندات، بشراء الكثير منها، خفّض الاحتياطي الفيدرالي العائد عليها بفعالية، وأصبح الاقتراض أسهل من أي وقتٍ مضى.

لكن الورطة التي وقع بها الفيدرالي أنه علق بأسعار فائدة منخفضة، وحاليًا فإن أي رفع غير مدروس لأسعار الفائدة سيعني انهيار أغلب الكيانات المقترضة.

إن تعهد الاحتياطي الفيدرالي بشراء ديون حكومية غير محدودة أثار بعض التساؤلات والاستغراب. يعني هذا من الناحية النظرية أن الحكومة يمكن أن تُصْدر المزيد من السندات والتي سيشتريها البنك المركزي. يمكن للحكومة بعدها استخدام الأموال المحصلة من السندات الجديدة لسداد دين السندات القديمة، أي أن الحكومة لا تسدد أبداً ديونها للبنك المركزي.

وهكذا تفقد الأموال قيمتها، وتصبح فعلًا قِطعًا من الورق تعترف عليها الحكومات ولا أحد يجرؤ على الاعتراض، لا أكثر ولا أقل!

"الربا (الفائدة) هو لبنة ضرورية في بنية نظام العالم المالي الحديث، وهو الضامن الأكبر لأغنياء العالم أن الثروات ستنتهي في جيوبهم على أي حال"

المصيبة الأكبر عند الدول التي تحفظ ثرواتها وتسعّر سلعها بالدولار:

لعلكم أدركتم من المثال المذكور أعلاه لأي درجة يعتبر النقد الحكومي أصل مالي ضعيف وهش، وكيف أنه بالفعل قادم من العدم. لكن المشكلة الأكبر تتوارى عند دول العالم الأخرى عدا أمريكا التي تعتمد الدولار كعملة مرجعية وتعتبره مصدرًا للقيمة.

في الواقع إذا كنت مواطنًا أمريكيًا فستتعرض أموالك للضرر من طرف البنك المركزي الخاص ببلدك فحسب، أما لو كنت مواطنًا من دولة أخرى، فستتعرض سيولتك المالية لضربتين، واحدة من الولايات المتحدة والثانية من بنكك المركزي الوطني.

فالنظام المالي الحديث يفرض على الدول جميعًا أن تتعامل بنظام مركزي، ورأس الهرم في هذا النظام الذي يعتبر الدولار عملة مرجعية هو الدولة المصدرة للدولار.

في الواقع إن اقتصاد بلدك لا يكون قويًا بالثروات والموارد والصناعات التي تمتلكها، بل يكون قويًا - في معيار هذا النظام الحديث – بمدى قيمة هذه الأمور بالنسبة لقادة العالم المتحكمين بالدولار، ومدى استعدادهم للدفع مقابلها.

الأدهى والأمر في هذه المعضلة الاقتصادية، أن العالم بأجمعه يتأثر بقرار صادر عن بضعة أشخاص في بلد لا يمت لهم بصلة (الولايات المتحدة)، فإذا قررت أمريكا رفع الفائدة لمصالح اقتصادها وشعبها ستذوق الدول المقترضة الويلات، وإذا قررت خفضها ستخسر الدول التي تعتمد على الدولار في تقييم مواردها الاستراتيجية (الدول النفطية مثلًا).

معادلة التضخم:

البنك المركزي يشتري سندات الديون من الحكومة ---> الحكومة تحصل على مزيد من الأموال لضخها في الأسواق ---> الأموال الجديدة تخلق مزيدًا من الطلب على السلع ---> المُنتِج يرفع سعر السلعة بدلًا من زيادة الإنتاج ---> تفقد الأموال الجديدة قيمتها ويحصل التضخم.

إذا حصل التضخم في عملة مرجعية كالدولار فهذا يعني أن الدول التي تحفظ احتياطي النقد الخاص بها بغطاء من الدولار ستخسر، وإذا لم يحصل تضخم بالدولار بل ارتفعت قيمته فهي أيضًا ستخسر لأن عملتها الوطنية ستصبح أضعف مقابل المقياس الأجنبي، والديون المترتبة عليها ستصبح أكبر.

"إذا كنت تعتقد أن الدول لا ترغب بالتضخم فأنت مخطأ... التضخم أداة سياسية، ولولا التضخم لما استطاع الحكام أن يخلقوا الأموال من لا شيء لكي يحصل عليها أصحاب النفوذ والسلطة مقابل تآكل موارد الشعب."

كيف يمكن أن ينقذنا البيتكوين من هذه المصيبة؟

البيتكوين عملة تحمل قيمة بذاتها لأنها تتطلب جهدًا من أجل الإنتاج، ولا سبيل حتى لمخترع البيتكوين، وحتى لأكثر شخص سلطةً في العالم، أن ينتج عملة رقمية واحدة من العدم.

أمر آخر لا يقل أهمية، أن عدد القطع التي يمكن إنتاجها من البيتكوين محدود، وبالتالي فإن قيمته قطعًا ستتزايد باضطراد على المدى البعيد.

وهكذا يكون البيتكوين ليس عملة لا تتأثر بالتضخم فحسب، بل هو عملة تعاكس التضخم وهو حل تقني يعالج التضخم أفضل مما يفعل السياسيون الذين لا نسمع منهم سوى الخطابات.

"النظام المالي العالمي يعمل لصالح الربا، إذ تنقص قيمة أموال الناس الذين يمتنعون عن الفائدة باستمرار لصالح زيادة ثروات من يتورط بها؛ والحل الأمثل للخروج من هذا الفخ هو البيتكوين."

لماذا نتعامل بالبيتكوين إذا كان الذهب موجودًا؟

دعنا نطرح عليكم سؤالًا آخر: يمكنك أن تحول 100 عملة بيتكوين من الصين إلى تركيا مقابل أجور لا تتجاوز 1 دولار عبر شبكة بلوك تشين، في المقابل كم ستحتاج لنقل 100 كغ من الذهب من دولة إلى دولة أخرى مجاورة؟!

في الواقع إن الحكومات تدرك أن الذهب يشكل خطرًا على نظام العالم النقدي، لذلك فقد تم اتخاذ إجراءات عديدة لكي تحد التعامل به قدر الإمكان، وبسبب هذه الإجراءات بات من المستحيل التعامل بالذهب كنقد بحرية.

ونرى ذلك واضحًا حين نقارن وتيرة ارتفاع الذهب مع وتيرة ارتفاع التضخم، فالذهب بات في الآونة الأخيرة محاصرًا ويرتفع بوتيرة بطيئة للغاية لا توازي التضخم الهائل الحاصل.

"بينما تزداد موارد البشرية يصبح الحصول عليها أصعب... نحن نمتلك عقارات وصناعات ومواد غذائية وتكنولوجيا أكثر من أي وقت مضى على مر التاريخ؛ لكننا نحصل على القليل منها ويصبح كل ما هو ضروري لحياة كريمة أبعد عن متناولنا يومًا بعد يوم."

شارك رأيك بتعليق

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات متعلقة: