تطور علم التسويق في السنوات الأخيرة بشكل كبير ليدخل في مجالات علم النفس والأعصاب ويستفيد منهما بشكل تجاري؛ فأصبحت الشركات تعلم كيف يفكر البشر وكيف يعمل دماغهم وتستغل ذلك أفضل استغلال لكسب المال وبناء الثروات الهائلة من أمور بسيطة لم تكن في الماضي تحقق لصاحبها ثروة.
يُقال إن أفضل طريقة لبناء رابطة عاطفية قوية مع شخص ما، هي بناء الثقة معه، لذلك تستثمر العديد من الشركات الكثيرَ من الأموال والجهود في إدارة علاقات العملاء، وكسب رضاهم، لكن على الجانب الآخر تقوم بعض العلامات التجارية بالعكس تماماً.
لكن الشركات التي تعاكس هذه القاعدة تدرك جيدًا ما تفعله، إذ يفسّر علماء النفس الدافع وراء ذلك بأن العلاقات السلبية يمكن أن تخلق روابط عاطفية أقوى، من تلك التي تخلقها العلاقات الإيجابية.
ووفقاً لنظرية "التعزيز المتقطع" تكون المكافآت غير المتوقعة أكثر إغراءً من المكافآت المتكررة التي تقدم وفق نمط معين، ومن ثم فإن مكافأة غير متوقعة، مثل وصول حقيبة اليد التي كان من الصعب العثور عليها إلى أحد المتاجر المحلية، يمكن أن تؤثر على سلوكيات الأشخاص، وتدفعهم لاتخاذ إجراء محدد، مثل شراء الحقيبة على الفور.
ولعله من البديهي أن هذه السلعة "النادرة والفاخرة" لا تتميز تصنيعيًا أو عمليًا بشكلٍ يكفي ليجعلها بهذا السعر، بل كل ما في الأمر أنها تشترى للتفاخر وليشعر صاحبها بالتميز.
هكذا تتلاعب شركات السلع الفاخرة برغبات الناس وعواطفهم:
تستفيد بعض العلامات التجارية من رد فعل الدماغ البشري على المكافآت المتقطعة، ومن بينها الشركة الفرنسية "هيرميس" للسلع الفاخرة، والتي تعد من أقوى العلامات التجارية في العالم.
تتراوح أسعار حقائب "بيركين" من "هيرميس" بين 9 آلاف دولار إلى 500 ألف دولار، ورغم عدم وجود شيء مهم بارز في هذه الحقائب، إلا أن "بيركين" صارت رمزاً للمكانة الرفيعة.
من المثير للاهتمام أن شركة "هيرميس" قامت ببناء علامتها التجارية بدون قسم تسويق، واستخدمت بدلاً من ذلك استراتيجية تعتمد على العلاقات الشخصية، وتتعارض هذه الطريقة مع النماذج التقليدية التي تركز على العملاء.
نظراً لندرة حقائب "بيركين" المصنوعة يدوياً، وارتفاع الطلب عليها، يحتاج العملاء إلى إقامة علاقة جيدة مع شركاء المبيعات، من أجل الحصول على فرصة لشراء حقائب "بيركين"، وتشير التقارير إلى انتظار العملاء لسنوات من أجل شراء حقيبة واحدة.
وهكذا يمكن للعملاء خلال وقت الانتظار أن يشتروا عطراً فاخراً، أو وشاحاً راقياً، أو ساعة فخمة، لتقوية العلاقة مع البائع.
في النهاية، حتى إذا حظي العميل بفرصة لشراء الحقيبة، لن يكون بإمكانه اختيار اللون، أو نوع الجلد، أو الحجم، لأن كل حقيبة مصنوعة يدوياً بشكل فريد.
ونظراً لعدم وجود حقيبتين متشابهتين، فإن المزايا التي يحصل عليها العميل تكون غير محددة، لكن ذلك لا يمنع العملاء من شراء هذه الحقائب.
ختامًا، إذا كنت من الأشخاص الذين يسهل خداعهم بماركة فاخرة أو بقطعة نادرة، ننصحك أن تطرح على نفسك السؤال التالي: "ما الذي تقدمه لي هذه السلعة بالتحديد، وهل أنا كإنسان مكرم بعقله أحتاج إلى مجرد سلعة أو قطعة نادرة لأشعر بالفخر والامتياز، هل هذا ما يجعلني بالفعل أفضل وفي مكانة أعلى...؟".