في استطلاعٍ للرأي أجرته إحدى وكالات الأنباء العالمية، لم يخجل المشاركون، من دولٍ عربيةٍ عديدة، من الاعتراف بأن تناول اللحوم الحمراء بالنسبة لهم أضحى ترفًا لا يقدرون عليه. وذلك بعد أن كانت هذه اللحوم لها حضور لا يمكن الاستغناء عنه في أطباق شعبية عديدة من المفترض أن يطالها الغني والفقير.
لكن، مع ارتفاع الأسعار وتدهور قيمة العملات الوطنية، وانخفاض الأجور، تأثرت قدرة الأفراد في تضمين اللحوم الحمراء في نظامهم الغذائي، ونرى ذلك واضحًا في دولٍ مثل مصر وفلسطين وسوريا ولبنان وغيرها.
ما هو سبب غلاء اللحوم الحمراء؟
يرى الخبير الاقتصادي الأردني "يوسف ضمرة"، في مقابلة مع الوكالة الإعلامية التي أجرت الاستطلاع، أن أبرز أسباب الغلاء لا يرتبط بالداخل.
ويوضح وجهة نظره قائلًا: "الارتفاع الذي يحدث على المواد الغذائية سببه الأساسي خارجي. ولا سيما حين نتحدث عن الدول التي ليس لديها اكتفاء ذاتي مثل الأردن، إذ تضطر إلى الاعتماد على الاستيراد بشكل كبير بطبيعة الحال، وهذا يتضمن أجور النقل ومختلف الرسوم المترتبة على عملية التصدير. ومع ارتفاع الأسعار عالميا في ظل وباء كورونا ينعكس ذلك على سعر البيع داخليا".
مفارقة غريبة:
على الرغم من أن الدول العربية كانت في يومٍ ما تزخر بالموارد الحيوانية لحد الاكتفاء، إلا أنه حاليًا، وبمقارنة بعض البلدان الغربية بالدول العربية، نجد تفاوتا كبيرا ما بين سعر اللحم وقدرة الفرد على تأمينه للأسرة.
ففي بريطانيا مثلا يبلغ سعر كيلو غرام من اللحوم الحمراء (البقر والغنم) حوالي 10 جنيهات إسترلينية وهو ما يعادل قرابة 14 دولارا، ومتوسط دخل الفرد يبلغ 2000 جنيها أي 2500 دولار شهريا تقريبا.
لكن في بلد مثل سوريا، فإن راتب الموظف بأكمله يكفي بالكاد لشراء 5 كغ من اللحم الأحمر في أفضل الأحوال...!
أما في السودان، فيبلغ معدل سعر الكيلو من اللحم الأحمر نحو 5 دولارات بينما متوسط دخل الفرد هناك لا يتعدى الـ 46 دولارا، حسب التقرير الدولي.
أما قطاع غزة المحاصر، فيصل سعر الكيلو غرام الواحد فيه، إلى ما يعادل 11 دولارا.
قصة اللحم الأحمر في مصر:
في مصر، البلد العربي الأكثر اكتظاظا بالسكان، ارتبط مؤشر أسعار اللحوم بالسياسة منذ عصر "أنور السادات"، فكان سعر اللحمة أحد شعارات الانتفاضة السياسية في عام 1977، حين ردد المتظاهرون وقتها شعارا ضد "سيد مرعي" صهر السادات ورئيس مجلس الشعب وقتها "سيد بيه يا سيد بيه، كيلو اللحمة بقى بجنيه".
وقبل نهاية السبعينيات، كان "السادات" قد فرض حظرا على بيع كل أنواع اللحوم الحمراء، المحلية والمستوردة لمدة شهر، أملا في خفض أسعارها لتكون متاحة للجميع، لكن ذلك لم يحدث وظلت اللحوم في الثقافة المصرية السائدة هي "الظفر"، الذي لا تتم مناسبة اجتماعية أو دينية دونه.
وقد ارتفع متوسط سعر الكيلو غرام من اللحم الطازج في الآونة الأخيرة إلى 140 جنيها مصريا، أي ما يعادل 9 دولارات أمريكية، في حين أن متوسط دخل الفرد حسب أحدث تقرير للبنك الدولي يبلغ ما يعادل 217 دولارا شهريا.
اللحم في الأردن... من أعلى الأسعار في العالم:
تظهر الأرقام أن الأردن ربما يكون من أعلى دول العالم من حيث أسعار اللحوم الحمراء، ولا سيما الطازجة منها، ومع استمرار ارتفاع أسعار اللحوم يتحول الطبق الوطني الأردني وهو المنسف، إلى عادة غذائية مكلفة. بعدما بلغ متوسط كيلو اللحوم الحمراء فيها 15 دولار، فيما لا يتجاوز متوسط دخل الموظف أكثر من 344 دولارا شهريًا.
الدول العربية الأكثر استهلاكًا للحم:
رغم ضيق العيش وصعوبة إمداد المائدة باللحوم، تشير الأرقام إلى أن الأراضي الفلسطينية تتصدر القائمة العربية من حيث استهلاك اللحوم، وحسب آخر تقرير صدر عن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة. فقد بلغ متوسط الاستهلاك 97 كيلوغراما للفرد الواحد سنويا.
تليها الدول الخليجية حيث الدخول المرتفعة والظروف المعيشية الأفضل، مثل الكويت بمعدل استهلاك يفوق 67 كيلوغرام سنويا للفرد، وبعدها بالترتيب تأتي الإمارات العربية المتحدة بأكثر من 60 كيلو، ثم السعودية بحوالي 54 كيلوغرام للفرد سنويا، وتتذيل سلطنة عُمان القائمة بمعدل استهلاك يزيد عن 40 كيلو للفرد سنويا.