حرب الليرة التركية مع الفائدة... مقاربة هامة ستحتاجها لفهم ما يحدث في الاقتصاد التركي

23/11/2021

هبطت الليرة التركية اليوم لأدنى مستوى على الإطلاق عند 12.48 مقابل الدولار عقب تعليقات من الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" التي وصف ما يجري بأنه مناورات تحاك بشأن سعر الصرف وأسعار الفائدة.

وفي غضون ذلك، عاد الجدال بين الساسة الأتراك وفي الوسط الاقتصادي التركي حول أسعار الفائدة، بين مناصر لرفعها ومعتبرًا أن ذلك حاجة ملحة ليس من الحكمة تجاهلها، وبين من يرى أنها مسمارٌ يُدَق في نعش الاقتصاد التركي.

سعر الفائدة والتضخم... علاقة طردية أم عكسية؟

كثيرًا ما يذكر خبراء الاقتصاد الرأسمالي أن التضخم هو آفة الاقتصاديات الرأسمالية؛ لذا فإن التضخم حقيقة وواقع لا مفر منه عمومًا في كافة الأنظمة الاقتصادية الحديثة.

إذ يروج من يرون الاعتماد على آلية سعر الفائدة لإدارة السياسة النقدية، ومن ثم الحياة الاقتصادية، بأن حالة رفع سعر الفائدة في تركيا مثلًا أدت إلى تحسن سعر صرف العملة، وبالتالي سيتجه المدخرون لبيع ما لديهم من عملات أجنبية، ويدعون أموالهم في البنوك، للاستفادة من سعر الفائدة المرتفع. 

لكن ذلك منظور من جانب واحد يفسر إيجابيات رفع سعر الفائدة بالنسبة للعملة المحلية، وكذلك خفض معدلات التضخم المنتظر، بينما يتم إغفال جانب مهم لرفع الفائدة على مكونات السياسة الإنتاجية والاستثمارية والتوظيف، ففي ظل رفع الفائدة نجد أن تكاليف الإنتاج سترتفع، ويظهر لنا التضخم في صورة أخرى، وهي جانب العرض، الذي يعني زيادة تكاليف الإنتاج. 

ولذلك يتوقع أن يتراجع إقدام رجال الأعمال على الاقتراض من البنوك في ظل زيادة الفائدة، وبذلك تتراجع معدلات الاستثمار، المتمثلة في زيادة الاستثمارات الحالية، أو إنشاء استثمارات جديدة. كما أن ذلك يكون له أثره السيئ بالاستغناء عن العمالة، أو على أقل تقدير عدم التفكير في زيادة القوى العاملة الحالية. 

ولا ننسى أن رفع الفائدة سوف يكبد الميزانية التركية في العام 2021، أعباءً أكبر مما كان عليه الحال في العام الماضي 2020، بسبب أن الحكومة لديها نحو 140 مليار دولار دينًا محليا، فضلًا عن قرابة 126 مليار دينًا خارجيا، وفي حالة قيامها بالاقتراض من السوقين المحلي والخارجي، فسيكون ذلك وفق معدلات الفائدة السائدة محليًا. 

فضلًا عن أن السوق التركية، ستكون مهبط الأموال الساخنة، للمستثمرين الأجانب، للاستفادة من سعر الفائدة الذي لا مثيل له تقريبًا في المنطقة، فهو من أكبر معدلات الفائدة في الشرق الأوسط، مما يعرض تركيا لضغط وتلاعب هؤلاء المستثمرين.  

ما هي وجهة نظر الحكومة التركية في حربها مع الفائدة؟

يرى الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" أن بلاده نجحت في تجربتها الاقتصادية من خلال الاقتصاد الحقيقي، ووصولها لأكبر 20 اقتصاد في العالم كان نتيجة التحسن في ناتجها المحلي الإجمالي، من خلال إنتاج السلع والخدمات، وبالتالي لا بد من المحافظة على هذه الميزة.

وثمة حجة أخرى يسردها الرئيس التركي، وهي مقارنة سعر الفائدة في بلاده بباقي دول مجموعة العشرين، وخاصة تلك الدول التي تنتمي للاتحاد الأوروبي وأميركا، ففي تلك الدول تنخفض الفائدة إلى ما بين صفر و1%، وفي بلاده ترتفع إلى 19%.

ويرى "أردوغان"، أن وصول سعر الفائدة إلى 24% أو 19%، معوق للإنتاج والاستثمار، ويدفع الأفراد والمؤسسات إلى أن يضعوا أموالهم في البنوك، ويغلقوا الشركات والمؤسسات، مكتفين بما يأتيهم من فوائد على أموالهم.

وبلا شك أن هذا السلوك، يحول الاقتصاد التركي إلى اقتصاد ريعي، ويفقده أهم مقوماته كاقتصاد إنتاجي.

وتأتي وجهة نظر الرئيس التركي متسقة مع النظرية الاقتصادية في كون رفع سعر الفائدة، يؤدي إلى زيادة معدلات التضخم من جانب العرض، لأنه يؤدي إلى رفع تكلفة الإنتاج.

ولكن لارتفاع معدلات التضخم أسباب أخرى، من بينها خفض قيمة العملة، لذلك فإن صانع السياسة الاقتصادية في تركيا أمام مهمة صعبة، فعليه معالجة الأمر، بما يحقق مصالح المستثمرين، والمدخرين، والمستهلكين.

متطلبات نجاح حرب الليرة التركية مع الفائدة:

بلا شك أن سلاح سعر الفائدة هو من أفشل أدوات السياسة النقدية، وأكثرها ضررًا على اقتصاديات أي بلد، وصانع الأزمات المالية العالمية والإقليمية الكبرى.

وإذا ما أرادت تركيا الخروج من هذا المستنقع بشكل جذري، فعليها أن توسع قاعدة التمويل بالمشاركة، واستخدام أدوات الاستثمار الإسلامي المختلفة، حتى تغطي قطاعًا كبيرًا من النشاط التجاري والمالي، على أن يصاحب ذلك تخفيض تدريجي لسعر الفائدة، فلا ينبغي التعامل مع سعر الفائدة بمنطق الصدمة صعودًا هبوطًا، كما تم في عامي 2019 و2020.

باختصار، ووفقًا لما يرى الخبراء، فعلى صانعي السياسة الاقتصادية في تركيا، أن يعدوا الحزمة اللازمة لنجاح هذه الرؤية، من خلال:

  1. تقليل فاتورة الواردات.
  2. الاعتماد بنسب كبيرة على الموارد ومستلزمات الإنتاج المحلية.
  3. الحد من تدفق الأموال الساخنة من الخارج.
  4. ترشيد اقتراض القطاع الخاص، بما يتناسب مع قدراته التمويلية ونشاطه الاقتصادي.

ومن المهم كذلك أن تعمل السياسة الاقتصادية على توفير فرص للاستثمار، يمكنها استيعاب الأموال المتاحة في السوق، لمنعها من التوجه للمضاربات بالبورصة أو على سعر العملة، أو في الأنشطة المتعلقة بالعملات المشفرة أو الفوركس وأشباهها.

انخفاض سعر الليرة ليس شرًا محضًا بالنسبة للاقتصاد التركي:

كما أن لخفض سعر العملة المحلية سلبيات، فقد تحقق له إيجابيات في تركيا، ولكن لا يعني ذلك أن انخفاض سعر الليرة مرحب به دائما وعند أي معدلات.

فقد أدى انخفاض قيمة الليرة التركية إلى رفع معدل التضخم ليقترب من سقف 20%، وزادت الأعباء المعيشية على المواطنين، سواء بالنسبة لأسعار السلع والخدمات، أو إيجار المنازل، كما ساعدت بشكل كبير على انتشار ظاهرة الدولرة داخل المجتمع التركي.

وعلى الجانب الآخر، حقق الاقتصاد التركي بعض الإيجابيات من انخفاض سعر الليرة، على رأسها زيادة الصادرات السلعية، وما كان ذلك ليتحقق لولا وجود قاعدة إنتاجية قوية اقتنصت الفرصة، فوصلت قيمة الصادرات السلعية إلى 169.5 مليار دولار بنهاية 2020، على الرغم من التداعيات السلبية لجائحة كورونا، وتستهدف تركيا تجاوز صادراتها السلعية حاجز الـ 200 مليار دولار بنهاية 2021.

كما نشط قطاع السياحة في تركيا في ظل تراجع قيمة العملة التركية، فالإحصاءات الرسمية تشير إلى أن عدد السائحين خلال الفترة من يناير/كانون الثاني وأغسطس/آب 2021 بلغ 14.1 مليون سائح، وبما يمثل زيادة قدرها 93% عن الفترة المناظرة من عام 2020، وبلا شك أن انخفاض قيمة الليرة سوف يزيد من حركة السياحة في تركيا، والتي تعد من الأنشطة المهمة للاقتصاد القومي.

شارك رأيك بتعليق

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات متعلقة: