ظاهرة الفساد والرشاوى ليست جديدة على السوريين، فهي مشكلة تمتد جذورها إلى عشرات السنين. لكن المشكلة الحقيقية هي ازدياد الوضع سوءً يومًا بعد يوم بدلًا من إصلاحه؛ وذلك في ظل وجود عشرات الفاسدين الذي يظهرون على وسائل الإعلام الحكومية يوميًا لينتقدوا الفساد في تناقضٍ غريب.
في هذا الصدد، فقد أشار الدكتور "نجم الأحمد"، أستاذ القانون الإداري في كلية الحقوق بدمشق، إلى أنه وعلى الرغم من طرح الحكومات المتعاقبة "شعار مكافحة الفساد"، لم تُلمَس أية نتائج على أرض الواقع حتى الآن؛ مؤكدًا أن نسب الفساد أعلى بشكلٍ كبير عما كانت عليه قبل الأزمة.
أسباب الفساد:
يشرح الدكتور "الأحمد" أن للفساد أسبابا كثيرة "سياسية واجتماعية، اقتصادية، وثقافية، تربوية ومالية"، إلاَّ أنَّ التركيز فيما مضى اقتصر على نقطة واحدة هي الأسباب الاجتماعية للفساد الإداري.
كل ذلك ساهم في تكريس ثقافة أن من لا يدفع المال لن يتمكن من الحصول على الخدمة التي يريدها، لتتحول هذه الظاهرة مع مرور الوقت إلى ظاهرة مألوفة وسلوك يومي.
هذا ويشرح خبراءٌ آخرون، أن واحدً من أهم أسباب الفساد، هو سببٌ نابع من الدولة بحد ذاتها، فهي ترى وتدرك جيدًا ما يحصل منذ سنوات، وهي أيضًا ليست عاجزة على التحكم بموظفيها وضبطهم، فقد تحكمت بهم وضبطتهم في أمورٍ أخرى، لكن حينما يتعلق الأمر بمكافحة الفساد يصطنع الجميع العجز.
ويرى "الأحمد" أن دور مؤسسات ما يسمى بالمجتمع المدني، والتي من المفترض أنها مؤسسات مجتمعية، هو دورٌ ضعيف، لا بل بإمكاننا القول إن هذه المؤسسات بذاتها تعاني أيضاً من الفساد بدرجة كبيرة جداً.
دور سلبي للإعلام الحكومي والمقرب من الحكومة:
يبين "الأحمد" أن للإعلام دورًا مهما يتمحور في تسليط الضوء على الفساد ومخاطره، لا أن يلعب دوراً سلبياً – كما يحصل الآن - بجعل الفاسدين المعروفين هم من يتحدثون عن الفساد وينَّظرون له "وهم غارقون فيه".
لكن الدكتور يعترف بصعوبة المهمة "بسبب تشكيل الفاسدين كتلةً غالباً ما تتماسك كي لا يكون أحد أفرادها في موقع المساءلة، فللفساد من يدافع عنه".
هذا ويشير مراقبون إلى أن العديد من وسائل الإعلام المحلية تمتلك ولاءات متعددة لأطراف داخلية متعددة من الحكومة نفسها، فينتهي الأمر بأن كل منهم يروج ويتحدث بالشكل الذي يناسبه، وسط شبه غياب لمن يهتم بالحديث عن حقيقة الأمر أو تحريك عجلة الإعلام لمصلحة الشعب.
الفساد في سوريا يتجاوز حاجات الناس ويصل لأن يهدد أرزاقهم:
رأينا ذلك عدة مرات عبر فضائح متواترة لمؤسسات حكومية مثل الجمارك والتمويل و "السورية للتجارة"، فلا تكاد تمر عدة أيام حتى يخرج حديثٌ جديد بين الناس عن فضيحة جديدة تتورط بها إحدى هذه الجهات الحكومية.
ويدرك السوريون جيدًا أن ما تعترف به الحكومة عبر إعلامها ما هو إلا القليل والنادر من تلك الفضائح التي يشهدها الجميع يوميًا.
هذا وبدون الحديث عن الحواجز التي تقف على أطراف المدن كالعصابات وتطالب من الناس والتجار إتاوات وضرائب بدون أدنى سبب منطقي أو مبرر، مما يعزز الغلاء ويقطع أرزاق العباد.
والأمر ذاته بالنسبة لتجارة المواد المدعومة، فلو كان الموظف الحكومي الذي يحصل على هذه المواد ويتولى مسؤولية توزيعها أهلًا للأمانة لما كانت المواد المدعومة المتوفرة في السوق الموازية أكثر من تلك التي يحصل عليها الناس.