تجاوزت مشكلة التضخم التوقعات العالمية في الكثير من البلدان، وبدأ الأمر يخرج عن السيطرة ويتحول إلى أزمة كما يرى بعض الخبراء والمراقبين. وفي ظل هذه التوترات، ومع هبوط جماعي في سوق العملات الرقمية أيضًا، لمع نجم الذهب مجددًا كأفضل ملاذ آمن موجود في الوقت الحالي.
في هذه الأثناء، ومع ازدياد الطلب على الذهب فقد ارتفعت أسعاره بشكل ملحوظ خلال الأيام الماضية، غير أن المكاسب حدت منها التوقعات بأن ارتفاع الأسعار قد يدفع البنوك المركزية إلى زيادة أسعار الفائدة، وهو ما رفع الدولار أيضا.
وقد سجل سعر الذهب في المعاملات الفورية هذا الأسبوع ذروته عند 1876 دولار، ثم انخفض مجددًا ليبلغ اليوم حوالي 1862 دولار للأونصة الذهبية. لكن سعر الأونصة لا زال عند أعلى مستوياته منذ شهر حزيران الماضي.
وقال المحلل والخبير الاقتصادي "كارلو ألبرتو دي كاسا": "يخشى المستثمرون خروج التضخم عن السيطرة، وبالتالي يشترون الذهب للتحوط من هذا الخطر".
وأضاف "دي كاسا" أن زيادات أسعار الفائدة لا تزال تشكل خطرًا محتملا بالنسبة للذهب، ولن يدفع إلى مزيد من المكاسب سوى تخط واضح لمستوى 1875 دولارا.
الجدير بالذكر أن أسعار الفائدة المرتفعة تزيد تكلفة الفرصة البديلة لامتلاك الذهب الذي لا يدر عائدًا مع الوقت.
ولامس مؤشر الدولار الأميركي، الذي يتنافس مع الذهب كمخزن آمن للقيمة، أعلى مستوى له منذ يوليو 2020 مدعوما ببيانات أفضل من المتوقع لمبيعات التجزئة الأميركية.
ما علاقة الذهب بالتضخم؟
نظراً لخصائص الذهب ولكونه مسعراً بالدولار الأمريكي فإنه يعتبر معدناً جيداً للتحوط من التضخم، فعندما تضعف قيمة الدولار الأمريكي يصعد الذهب بشكل طبيعي، أي أنك بحيازتك الذهب تحافظ على قيمة ما لديك من مال، وهذا في حال هبطت قيمة الدولار، لكن إن لم يحصل التضخم وحصل الانكماش عوضاً عن ذلك (أي ارتفعت القوة الشرائية للدولار الأمريكي) فهذا يرجح احتمال هبوط سعر أونصة الذهب، وعلى سبيل المثال نلاحظ أن التقارير الاقتصادية ذات التأثير الكبير على الدولار الأمريكي غالباً ما تؤثر أيضاً بشكل معاكس على سعر الذهب.
إلى متى سيستمر التضخم في العالم؟
يشبه الخبير الاقتصادي الأميركي الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد "بول كروغمان" ارتفاع الأسعار الحالي بما حدث في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وتحديدا بين عامي 1946 و1948.
في المقابل، يقارن آخرون الوضع الراهن بارتفاع معدلات التضخم عام 2011، ويرون أن العامل الرئيسي هو زيادة عبء الديون بشكل غير مسبوق على الحكومات والقطاع الخاص.
لكن المستثمر "آدم شتراوس" يرى أنه من غير المنطقي مقارنة الأزمة الحالية بما حدث عام 2011، وذلك بسبب الاختلاف الكبير في حجم الحوافز المالية.
ويعتقد "شتراوس" أن تراجع العولمة وانخفاض قيمة الدولار وأزمة الطاقة والارتفاع السريع في الأجور كلها عوامل تشير إلى استمرار حالة التضخم الحالية.
من جهته، يقول "أنطون تاباخ" كبير الخبراء الاقتصاديين في وكالة التصنيف الائتماني الروسية "إكسبرت را" (Expert RA) إنه لا يمكن لأحد أن يتوقع إلى متى ستستمر حالة التضخم.
ويعتقد "تاباخ" أن مسؤولي نظام الاحتياطي الفدرالي في الولايات المتحدة ليسوا في عجلة من أمرهم لاتخاذ إجراءات صارمة لوقف التضخم، لأنهم يرون أن الوضع الحالي يخدم مصالح الحكومة الأميركية.
أما "بيوتر بوشكاريف" المحلل الاقتصادي في مجموعة "تيلي ترايد" (Tele Trade) فيرى أن التضخم سوف يكون مؤقتا، ويقول في هذا السياق: "على ما يبدو، لن يتكرر سيناريو السبعينيات ولن نشهد تضخما مطولا، لكن المرحلة الانتقالية والارتفاع المتسارع للأسعار قد يستمران سنتين أو 3 سنوات، وعليه قد ترتفع الأسعار بنسبة 50%، وقد تصل إلى 100% أو أكثر، بعد ذلك سيؤدي انخفاض القدرات الشرائية إلى توقف التضخم بشكل تلقائي".