استمرت الليرة التركية في التراجع حتى إغلاق اليوم الثلاثاء، لتصل بذلك إلى مستوى قياسي جديد في تاريخها متجاوزةً 9 ليرات للدولار ومتأثرة بعدة عوامل على رأسها عدم اليقين المرافق لمشاكل أسعار الفائدة.
وبلغت العملة التركية في ذروة هبوطها خلال تداولات اليوم ما يقارب من 9.046 ليرة للدولار الواحد، لتكون قد انخفضت بنحو 18% أمام الدولار منذ بداية العام الجاري 2021، مما فاقم ارتفاع التضخم الذي بلغ 20%.
وذكرت رويترز يوم الجمعة الماضي -نقلا عن مصادر- أن الرئيس رجب طيب أردوغان يفقد ثقته في "شهاب قوجي أوغلو" محافظ البنك المركزي بعد أقل من 7 أشهر من إقالة سلفه بسبب تأخر سياسة التحفيز.
وقال "قوجي أوغلو" ردًا على أسئلة لجنة برلمانية أمس الاثنين إن خفض الفائدة في سبتمبر/أيلول الماضي لم يكن مفاجئا ولم يحقق الكثير فيما يتعلق ببيع الليرة.
وأثناء جلسة الاستماع في البرلمان، قال "قوجي أوغلو" إن احتياطيات البنك المركزي استقرت بعد تراجع في الأعوام القليلة الماضية وإنها اتخذت اتجاها صعوديًا. إذ تظهر البيانات أن صافي الاحتياطيات الأجنبية ارتفع منذ أبريل/نيسان الماضي.
من جهتها، أشارت وكالة "بلومبيرغ" للأنباء إلى تراجع قيمة الليرة بأكثر من 5.9% خلال سبتمبر/أيلول الماضي، حيث تسارع هذا التراجع بعد قرار البنك المركزي غير المتوقع بخفض الفائدة في 23 سبتمبر/أيلول الماضي، مما أثار المخاوف من أن يكون خفض الفائدة عقبة في طريق جهود السيطرة على التضخم.
4 عوامل تفسر ما يحدث لليرة التركية منذ 2014 حتى الآن:
تعاني الليرة التركية منذ عام 2014 من انخفاض مستمر في قيمتها، ويرجع ذلك إلى مجموعة من العوامل السياسية والاقتصادية.
في مقدمة أسباب تدهور الليرة التركية، تأتي الأوضاع الإقليمية التي دفعت الحكومة التركية لوجود قوات عسكرية في كل من العراق وسوريا لقضايا تتعلق بالأمن القومي التركي، والحفاظ على مقدرات سيادة الدولة، على حد تعبير السلطات هناك.
عامل آخر لا يقل أهمية عن الأول، وهو اصطدام تركيا بالسياسات الأميركية في بعض الملفات الخاصة بالمنطقة، مما أدى إلى صدام قوي في عهد الرئيس الأميركي السابق "ترامب"، وتهديده المباشر بتدمير الاقتصاد التركي، بالإضافة إلى خلافات أخرى مع دول المنطقة.
كل هذه المشاكل التي تورطت بها تركيا مع دول المنطقة والقوى الكبرى، عززت وجهة النظر التي تؤكد قيام بعض الدول بالمضاربة على قيمة العملة التركية في الأسواق الدولية والمحلية، كنوع من الصراع بينهم، لإضعاف موقف الحكومة وتحقيق مآرب سياسية.
والعامل السلبي الثالث، كان متعلقًا بالأوضاع السياسية الداخلية في تركيا منذ عام 2014، إذ عانت البلد من اضطرابات يصعب الصمود أمامها بسهولة، مثل محاولة الانقلاب العسكري الفاشل عام 2016، وإجراء الانتخابات المبكرة، على مستويات البلديات والبرلمان والرئاسة، ويسبق ذلك الاستفتاء حول التعديلات الدستورية، والتي كان أبرزها تغير طبيعة نظام الحكم.
وبلا شك، إن العوامل الاقتصادية كان لها دور مهم، مثل الجائحة التي ضربت العالم، وتأثيراتها على قطاع السياحة بكل مكوناته النشطة في تركيا، وكذلك تأثر الاستثمار في قطاع العقارات، كل هذه العوامل السياسية والاقتصادية أوجدت حالة من عدم الاستقرار والانخفاض المستمر في قيمة الليرة، مما ساعد على ارتفاع معدلات التضخم بالبلاد.
نقاط ضعف الاقتصاد التركي:
تعد قضية الطاقة واحدة من القضايا المؤرقة للاقتصاد التركي، حيث تعتمد البلاد على استيراد احتياجاتها من النفط بنسبة كبيرة تقدر في بعض الأحيان بنحو 90%، وهو ما جعلها تتجه لتشجيع توليد الطاقة من المصادر الأخرى للطاقة (الشمسية، والحرارية، والرياح، والنووية).
ومن نقاط الضعف أيضا التي يعاني منها الاقتصاد التركي، اعتماد القطاع الخاص على التمويل الخارجي بشكل كبير، ففي الوقت الذي نجد فيه قيمة الدين الخارجي للبلاد تصل إلى 440 مليار دولار، وفق أرقام قاعدة بيانات البنك الدولي عن عام 2019، فإن القطاع الخاص يستحوذ على نحو 65% من هذه الديون، ومما يزيد من هذه الإشكالية، أن القطاع الخاص لديه حصة ضاغطة في ملف الديون، من حيث اعتماده على الديون قصيرة الأجل، وهو ما يخلق ضغوطا مستمرة وسريعة في الطلب على الدولار.
ولوحظ مؤخرا، أن قرارات السياسة النقدية فيما يتعلق بسعر الفائدة، أحدثت ارتباكا في السوق، سواء فيما يتعلق برفع سعر الفائدة أو انخفاضها، وإن كانت الأمور على مدار الشهور الستة الأخيرة أكثر استقرارا، حيث حافظ البنك المركزي على سعر صرف عند 19%، ولم يخفض هذا السعر إلا خلال سبتمبر/أيلول الماضي بنحو 1%، ليصبح سعر الفائدة 18%.