من المعروف أن المعاش التقاعدي هو أغلى ما يملكه الموظف المتقاعد، الذي أفنى سنوات عمره في هذه الوظيفة ليحصل في النهاية على مبلغ يعينه على أرذل العمر. لكن الوضع في الأردن مختلف في ظل انتشار "سوق سوداء لرواتب التقاعد".
يعرض بعض الأردنيين رواتبهم التقاعدية للبيع أملا بالحصول على حياة كريمة، أو علاج لمريض، أو سداد دين، فيصطادهم "سماسرة" عبر صفحات وسائل التواصل، ويستغلون فقرهم ومرضهم وحاجتهم للمال.
التقى موقع "الجزيرة نت" الذي بحث مفصلًا بالأمر مع المتقاعدة "سناء" التي عرضت راتبها التقاعدي البالغ 340 دينارًا للبيع عبر منشور على فيس بوك، مبررةً ذلك بالظروف المعيشية الصعبة.
تقول "سناء" إنها تعيش في بيت بالإيجار مع 4 أطفال، وبعد الإيجار والفواتير يتبقى من الراتب 140 دينارا (200 دولار)، يعيشون بها "حياة الكفاف" على حد تعبيرها. مما اضطرها لبيع راتبها مقابل شراء شقة سكنية تعفيها من دفع الإيجار الشهري.
مفاوضات وسوق واسع لبيع الرواتب:
بعدما أعلنت عرض راتبها للبيع اتصل بها عدد من "السماسرة"، تقول سناء "تلقيت عددا من العروض بدأت بـ 15ألف دينار (21 ألف دولار) وأعلاها وصل 27 ألف دينار (38 ألف دولار) لكنني رفضتها طالبة 40 ألف دينار (56 ألف دولار) وهناك مفاوضات بيننا، لم أحسم قراري بعد".
في حالة مشابهة نرى المتقاعد المدني الأربعيني "عادل" الذي عرض راتبه التقاعدي 410 دينار (578 دولارا) للبيع على صفحات الفيسبوك، والمتقاعد المدني الخمسيني عودة عرض هو الآخر راتبه التقاعدي 390 دينارا (550 دولارا) للبيع.
ويعمد متقاعدون مدنيون وعسكريون لبيع رواتبهم التقاعدية، للحصول على مبلغ مالي دفعة واحدة مقابل التنازل عن رواتبهم، وتتم عملية البيع من خلال وسطاء يستقطبون المتقاعدين العازمين على بيع رواتبهم، ومستثمرين راغبين بشراء تلك الرواتب.
يؤكد رئيس جمعية متقاعدي الضمان الاجتماعي "أحمد القرارعة"، أن "عمليات بيع الراتب التقاعدي موجودة ومنتشرة بكثرة"، مرجعا السبب في ذلك للأوضاع المعيشية السيئة للمتقاعدين من أصحاب الرواتب المتدنية، خاصة وأن 85% من متقاعدي الضمان تقل رواتبهم عن 500 دينار (700 دولار) "وهذا الراتب تحت خط الفقر".
ويرى "القرارعة" أن الحل الأمثل لتلك المشكلة هو رفع رواتب المتقاعدين سواء الشيخوخة والاعتلال والمبكر حتى يؤمن للمتقاعدين حياة كريمة تكفيهم وعائلاتهم، وقال "لدينا متقاعدون يتقاضون رواتب أقل من 100 دينار شهريا (140 دولارا)".
ويضيف رئيس جمعية المتقاعدين، أن ما يفاقم من مشاكل المتقاعدين أن المتقاعد من القطاع الخاص بعدما يخرج من وظيفته يفقد التأمين الصحي، وهو في هذه المرحلة في أمس الحاجة للتأمين الصحي، وللأسف الضمان لا يؤمن للمتقاعدين تأمينا صحيا، رغم أن ذلك منصوص عليه في القانون منذ عام 2014.
إجراء غير قانوني!
لم تنف المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي وجود هذه الظاهرة، وتصفها بأنها "إجراء غير قانوني، ولا يوجد في قانون المؤسسة ما يسمح للمتقاعد ببيع راتبه".
ويؤكد الناطق الإعلامي للضمان الاجتماعي "شامان المجالي" أن الهدف من الراتب حماية للمتقاعدين وعائلاتهم، ولمواجهة ظاهرة البيع "أوقفت المؤسسة صرف نحو 1200 راتب تقاعدي تقدم أصحابها بوكالات لحصول شخص آخر على تلك الرواتب".
ووفق مختصين لا يوجد في قانون المؤسسة ما يمنع أو يسمح بهذه العملية، وليست مجرّمة بالقانون، ولا تستطيع المؤسسة ملاحقة المتقاعدين البائعين لرواتبهم التقاعدية، أو الوسطاء أو المشترين.
سوق سوداء للرواتب التقاعدية:
عمليات بيع وشراء الرواتب التقاعدية تتم في سوق سوداء، وفي سرية تامة وبعيدة عن أعين القانون، ويقوم بها سماسرة، يجمعون بين البائع والمشتري ويحصلون على نسبة ربح من الطرفين، وفق حديث سماسرة.
يقول أحد السماسرة: "يقصدنا المتقاعدون لبيع رواتبهم، وذلك للحصول على مبلغ مالي يبدؤون حياتهم به من جديد، ولدينا قائمة طويلة من المتقاعدين العارضين رواتبهم للبيع بانتظار من يشتري".
وحول آلية البيع، يقول: "يحضر المتقاعد بياناته الشخصية والتقاعدية، ونقوم بعرضها على رجال الأعمال الراغبين بالشراء، وكلما كان سن المتقاعد أصغر وراتبه أعلى كان مرغوبا أكثر من قبل المشترين".
وتتم عمليات الشراء وفق السمسار من خلال "مكاتب قانونية ومحامين، ويوقع الطرفان عقودا لحفظ حقوقهم المالية" ويحصل المكتب على نسبة 20% من قيمة العرض من البائع، ومثلها من الشاري، ويتم تحويل الراتب من خلال وكالة بنكية أو بطاقات الصراف الآلي.