انطلق في العاصمة العراقية بغداد، على مدى يومي الأربعاء والخميس الماضيين، المؤتمر الدولي لاسترداد الأموال العراقية المهربة إلى الخارج، وشهد المؤتمر اهتماما حكوميا واسعا بقيادة رئيس الوزراء "مصطفى الكاظمي".
عقد المؤتمر الدولي برعاية الحكومة العراقية ومشاركة الأمين العام لجامعة الدول العربية "أحمد أبو الغيط"، علاوةً على عدد من وزراء العدل ورؤساء مجالس القضاء والأجهزة الرقابية في العديد من الدول العربية.
وقد علقت على هذا المؤتمر آمال الكثير من العراقيين، لا سيما أنه جاء في ظل أزمة اقتصادية يعيشها العراق بدأت مع انهيار أسعار النفط قبل عامين إثر الجائحة والضغط الشعبي الذي أفرزته الاحتجاجات الشعبية التي انطلقت أواخر عام 2019.
ورغم الاهتمام الحكومي العراقي باسترداد الأموال والأصول المهربة وخروج المؤتمر بـ 18 توصية لأجل حصر هذه الأموال والبدء باستردادها، فإن الكثير من المراقبين يرون أن هناك عقبات سياسية وقانونية تحول دون تمكن العراق من استعادة أمواله على الوجه الذي تطمح إليه الحكومة والشعب.
وقد نتج عن المؤتمر الدولي 18 توصية، كان من أهمها التشجيع على عقد اتفاقيات ثنائية بين الدول، مما يساعد العراق على استعادة أمواله، فضلا عن أهمية قيام الحكومة العراقية بإصدار أدلة إرشادية تبسط آلية استرداد الأموال، إضافة إلى تكليف المركز العربي للبحوث القانونية والقضائية بعقد اجتماع دوري لهيئات النزاهة ومكافحة الفساد العربية.
حجم الأموال المنهوبة من العراق:
أعلن الرئيس العراقي "برهم صالح"، قبل حوالي 3 أشهر عن تقديمه مشروع قانون "استرداد عوائد الفساد" إلى البرلمان، في سعي لاسترداد ما يقارب 150 مليار دولار نهبت خلال سنوات ما بعد 2003.
أما لجنة النزاهة النيابية فكانت قد قدرت قبل أشهر حجم الأموال المهربة من قبل بعض الفاسدين خلال الـ 18 عامًا الماضية بنحو 350 مليار دولار، أي ما يعادل 32% من إيرادات العراق خلال هذه الأعوام.
من جهته، يرى الخبير الاقتصادي "همام الشماع" في حديثه لوكالة "الجزيرة" الإخبارية، أن الحكومة العراقية لا تعلم الحجم الحقيقي للأموال المنهوبة، ولا سيما أن جميع التصريحات الحكومية تفتقر إلى المصادر والإحصائيات المالية، ولم تستند إلى معلومات المصرف المركزي العراقي وحجم الموازنات وحساباتها الختامية والفائض المالي طوال السنوات السابقة.
أما أستاذ الاقتصاد في الجامعة العراقية "عبد الرحمن المشهداني" فيقدر حجم الأموال والأصول المهربة منذ عام 2003 وحتى عام 2015 بنحو 350 مليار دولار دون حساب ما تم تهريبه خلال السنوات اللاحقة.
لماذا يفشل العراق في استرداد أمواله؟
أكد "المشهداني" أن عدم قدرة العراق على استرداد أمواله تعود إلى أن القضية متشابكة وتستلزم اتفاقيات دولية وأخرى ثنائية، لافتا إلى أن الإشكالية الحقيقية تتمثل بضرورة اتباع العراق الخطوات القانونية التي تشمل إجراء تحقيقات قضائية محلية تصل إلى أحكام قضائية قطعية.
ويضيف أنه بعد تلك المرحلة يجب على الحكومة ووزارة الخارجية مخاطبة الإنتربول الدولي ووزارات الخارجية الأجنبية من أجل الشروع في الإجراءات القضائية بتلك الدول، مشيرا إلى أن الكثير من الإجراءات وصلت إلى مراحل متقدمة، غير أن إعادة محاكمة بعض الفاسدين أدت لتبرئتهم أو غض الطرف عنهم لاعتبارات سياسية وغيرها، بحسب تعبيره.
الجانب السياسي يلعب دوره في ضياع الأموال:
لا تقتصر معوقات استرداد الأموال المنهوب إلى العراق عند المشكلات القانونية، إذ يوضح الخبراء أن العراق ورغم امتلاكه الكثير من الوسائل والمقومات فإنه يفتقر إلى الإرادة السياسية الحقيقية لمعالجة هذه المسألة.
وتؤيد هذا الكلام عضوة لجنة الاقتصاد والاستثمار في البرلمان العراقي "ندى شاكر جودت"، إذ تعتقد أن مؤتمر استرداد الأموال لن يكون له صدى من الناحية العملية، لافتة إلى ضرورة أن يعمل العراق على ترتيب بيته الداخلي من خلال محاربة الفساد والشروع في تنظيم إيرادات الدولة والمنافذ الحدودية والجمارك ومزاد العملة، بحسب تعبيرها.
من جهته، يشير رئيس مركز التفكير السياسي "إحسان الشمري" إلى معوقات سياسية تتمثل في أن جزءا من الأحزاب السياسية الحالية في العراق متورطة بالفساد وعمليات تهريب الأموال ونقلها للخارج طوال السنوات الماضية.