بينما تحصل على راتب شهري ثابت... هذه هي العقلية التي تمكن الأثرياء من كسب المليارات

29/07/2021

في معسكرٍ طلابي كبير نظمته كلية التصميم التابعة لجامعة ستانفورد الأميركية العريقة "دي سكول"، اصطف عددٌ من الطلاب بانتظار الاختبار المقرر في مادة "مبادئ الابتكار في ريادة الأعمال" التي تُدرِّسها البروفسورة "تينا سيليغ".

 حيث انقسم الطلاب إلى 14 فريقا، وجد كلٌّ منهم أمام ناظريه ظرفًا أنيقا مُحكم الإغلاق، في انتظار الإشارة إلى فتحه وبدء الاختبار.

 مع الإشارة إلى إطلاق الاختبار، اندفع الطلاب بحماس لفتح الظرف، فوجدوا جميعًا بداخله ورقة من فئة خمسة دولارات وبجانبها ورقة أنيقة مطويّة كُتِب بداخلها عبارة مُقتضبة:

"لديك مبلغ 5 دولارات سوف تستخدمه بوصفه تمويلا بذريا (Seed Fund) (أي رأس مال مبدئي)، كم يمكنك أن تربح من وراء هذا المبلغ خلال ساعتين؟!"

بعد نهاية الاختبار، استطاعت المدرّسة أن تقسم النتائج التي حصل عليها الطلاب وفقًا لـ 4 مدارس شهيرة في علم الاقتصاد...

أولاً: المدرسة الكلاسيكية للأفكار الرديئة

 قامت إحدى الفرق بالذهاب مباشرة بهذا المبلغ الزهيد لشراء اليانصيب، لأنهم رأوا هذا المبلغ الذي يملكوه زهيدً لدرجة أنه لا يمكن عمل به أي شيء آخر سوى شراء تذكرة يانصيب على أمل أن يربح مبلغا كبيرا من المال اعتمادا على الحظ.

 فريق آخر من الطلاب قرر الذهاب بهذا المبلغ إلى ممارسة القمار. مرة أخرى فكرة أن رأس المال الذي بحوزتهم متواضع للغاية ولا يمكن تحقيق أي ربح من ورائه إلا بالاعتماد على ضربة حظ سريعة تجلب لهم ربحا كبيرا، مع الوضع في الاعتبار أن خسارة تمويل كهذا يُعَدُّ أمرا تافها، وبالتالي فبإمكانهم المغامرة به بهذه الطريقة دون الشعور بتأنيب الضمير من خسارته.

ترى "سيليغ" أن هذا التفكير الذي يندفع إلى خوض المغامرة بشكل يعتمد كليا على الحظ غالبا لا يقود إلى شيء، وأن احتمال الخسارة أكبر بكثير من احتمال تحقيق أي ربح من ورائه، وهو ما يُصادقه الواقع دائما.

ثانيًا: المدرسة الكلاسيكية للأفكار العادية

باستخدام الطرق الاعتيادية التي نعرفها جميعًا، قرر فريق آخر من الطلاب أن يتبنّى الأسلوب الكلاسيكي لتحقيق ربح لا بأس به من وراء تمويل متواضع كهذا، فاتّجه إلى شراء عدد من حبات الليمون والبدء في صناعة "عصير الليمون" وتقديمه في الجامعة مقابل مبلغ زهيد، حتى تمكّن من تغطية رأس المال الذي أنفقه، وحقّق من ورائه بعض الأرباح الزهيدة التي حصل عليها في نهاية الساعتين.

 الطريق الكلاسيكي نفسه سار عليه أحد الفِرَق عندما توجّه إلى شراء بعض أدوات التنظيف البسيطة، وعرض خدمة غسيل السيارات للطلاب والأساتذة مقابل بعض المال. فريق آخر من هذه الفِرَق لاحظ أن الطقس كان سيئا، فتوجّه لشراء بعض مظلات المطر وقام بتأجيرها للطلاب وإعادة بيعها.

فكرة تقليدية جيدة أخرى تبنّاها أحد الفِرَق بطباعة ورسم بعض الرموز الإبداعية البسيطة على قمصان الطلبة مقابل أجر زهيد، وغيره قرّر طباعة خرائط لأقرب مطاعم الجامعة. بمعنى آخر، العديد من الطلاب قاموا بتطبيق أفكار تقليدية مكَّنتهم من تحقيق هامش ربحي بسيط للغاية، ضمن لهم على الأقل فرصة اجتياز الاختبار.

ثالثًا: المدرسة الريادية لحل المشاكل

فضّل هذا القسم من الطلا الابتعاد عن الأفكار التقليدية، وكان من أكثر الفِرَق تحقيقا للأرباح تلك الفِرَق التي ركّزت بشكل كبير على حل "مشكلة" قائمة بالفعل بأسهل طريقة ممكنة بدلا من توليد الأفكار انطلاقا من التركيز على مستوى تواضع رأس المال الذي تملكه -كما فعلت الفِرَق ذات الأفكار التقليدية-. هذا الأسلوب ساعد على اجتذاب مستوى أكبر من الأرباح.

قريبا من الجامعة، كان هناك مشكلة عامة يعاني منها سكان بلدة بالو ألتو (Palo Alto)، وهي اضطرارهم للانتظار فترة طويلة قبل دخول المطاعم في موعد العشاء. كانت الفكرة التي عمل عليها أحد الفِرَق هي قيام كل عضو من أعضاء الفريق بحجز طاولة عشاء في موعد مناسب في عدد من المطاعم، ثم الإعلان عن بيع هذه الحجوزات للزبائن المنتظرين مقابل مبالغ مالية وصلت إلى سقف 20 دولارا للحجز الواحد في أوقات الازدحام. أقبل الكثيرون على شراء هذه الحجوزات لعدم تضييع أوقاتهم أو الاضطرار للانتظار لفترة طويلة.

فكرة أخرى ريادية تبنّاها فريق من الطلاب، الذين لاحظوا أن أكثر استخدام للمواصلات في حرم الجامعة هو الاعتماد على الدرّاجات الهوائية وليس السيارات. قرّر الطلاب أن يعرضوا على راكبي الدراجات خدمة لا يمكن رفضها، وهي "قياس الهواء لإطارات الدراجة" مجانا، بدون أن يدفع الراكب سنتا واحدا. أما خدمة إعادة ملء الإطارات بالهواء فسوف تُكلِّف الراكب دولارا واحدا فقط.

وكانت نتيجة هذه الخطة الذكية، أن عددا كبيرا من راكبي الدراجات الهوائية في الجامعة توقفوا أمام هذا الفريق الطلابي لقياس ضغط إطارات الدراجة، ومعظم مَن قاموا بإجراء هذا الاختبار لم يجدوا صعوبة في دفع دولار واحد مقابل إعادة ملئها. لكن المفاجئة ليست هنا...

بمرور بعض الوقت، توقف الطلاب عن طلب الدولار مقابل خدمة ملء الإطارات، ورفعوا لافتة أن الخدمة بالكامل "قياس الضغط وملء الإطارات" مجانا، في مقابل ترحيبهم بالتبرع بأي مبلغ مالي لدعمهم. كانت المفاجأة أنهم حصدوا أموالا من التبرعات تفوق ما حصدوه أثناء تقديمهم للخدمة المدفوعة.

رابعًا: المدرسة الريادية للأفكار المبتكرة (الفريق الذي حصل على المركز الأول)

حان وقت الحديث عن الفريق الذي استحق الحصول على المركز الأول في هذا الاختبار الريادي، بقدرته على تحقيق أعلى مستوى ربح بقيمة 650 دولارا -مقابل 5 دولارات رأس مال-، فقد استطاع أن يُحقِّق هذا الربح بناءً على فِكر ريادي مُبتكر أصبح فيما بعد مضربا للأمثال في مقررات ريادة الأعمال الجامعية والتطبيقية.

الفكرة هنا أن هذا الفريق تحديدا قرّر منذ اللحظة الأولى دراسة أوراق اللعب التي يمتلكها أولا قبل تحديد الفكرة التي سيُطبِّقها. أول ورقة لعب هي تمويل بقيمة 5 دولارات، تمويل تافه لا يمكن الاعتماد عليه أو اعتباره رأس مال أصلا، ناهيك بأن يُحقِّق أي مستوى ربحي جيّد. ورقة اللعب الثانية هي إطار زمني محدود للغاية، ساعتان فقط للتنفيذ، من الصعب جدا أن يتحقق ربح جيد من ورائها.

أما الورقة الثالثة، التي يبدو أنه لم يلتفت إليها أحد على الإطلاق، هي الدقائق الثلاثة المُعطاة لكل فريق للصعود أمام طلاب جامعة ستانفورد -تذكَّر: واحدة من أفضل جامعات العالم على الإطلاق- ليشرح في عرض تقديمي مختصر الفكرة التي عمل عليها، ومستوى الربح الذي حققه. كانت هذه الورقة تحديدا هي المُلهمة لهذا الفريق أن يقوم بتنفيذ فكرة مبتكرة غير مسبوقة.

 ركَّز الفريق الرابح على "خلق القيمة" من الجمهور وليس التمويل أو الإطار الزمني. لذلك كانت الفكرة ببساطة أن يتواصل أعضاء الفريق مع عدد من الشركات التي تسعى باستمرار إلى توظيف طلاب جامعات متدرّبين (Interns) لديها، خصوصا طلاب الجامعات المميزة مثل ستانفورد.

كان العرض الذي قدّمه الفريق للشركات هو بيع الدقائق الثلاثة المتاحة أمامهم في العرض التقديمي أمام طلاب الجامعة بوصفها مساحة إعلانية للشركة والتعريف بها أمام الطلاب ومزايا وشروط الالتحاق بها متدرّبين.

وبالفعل، تسابق عدد من الشركات المهتمة بتوظيف طلاب من جامعة ستانفورد للحصول على هذه المساحة الإعلانية، إلى أن استطاعت إحدى هذه الشركات الفوز بشراء هذه الدقائق الثلاثة مقابل أعلى سعر وهو 650 دولارا.

بقدوم يوم العرض التقديمي، واحتشاد عدد كبير من طلاب الجامعة لمشاهدة العروض، توالت الأفكار التي عملت عليها الفِرَق الطلابية، كل فريق يستعرض مشروعه ومستوى الربح الذي حققه، حتى جاء الدور على الفريق الفائز بالمركز الأول الذي صعد على المنصة وبدأ في عرض معلومات عن إحدى الشركات ومتطلباتها لتعيين المتدرّبين لديها من جامعة ستانفورد ومزايا برنامجها التدريبي. وفي نهاية عرضهم التقديمي، أخبروا الطلاب أن عرضهم هذا هو أصلا خدمة إعلانية مدفوعة لهذه الشركة عاد عليهم بربح قيمته 650 دولارا، دون أن يضطروا لاستخدام الدولارات الخمسة على الإطلاق.

شارك رأيك بتعليق

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات متعلقة: