على الرغم من المساعي المتكررة للإطاحة بقيمة النفط، لا يزال الذهب الأسود بعيدا كل البعد عن مرحلة الموت، فما يحدث اليوم يجعلنا نعتقد أن الاقتصاد العالمي لن يقدر على التخلي عن تبعيته للنفط بسهولة.
في تقريرٍ نشرته صحيفة عالمية، يقول الكاتب: "إن العالم يود دفن هذا الملك (البترول) وقلب الصفحة والتحدث عن شيء آخر"، في المقابل، لا تعد الهجمات التي يتعرض لها النفط حتى الآن ذات تأثير كبير عليه ولا تنقص من قيمته؛ إذ ما زال من الجلي أنه يعد الأقوى، وعلى الرغم من كل الاعتداءات للإطاحة به، لا يزال ملك النفط بعيدا عن مرحلة الموت.
أسعار النفط تثير اهتمام الخبراء:
من المثير للاهتمام أن أسعار النفط لا زالت تظهر مؤشرات جيدة على الرغم من جهود مفوضية الاتحاد الأوروبي التي تستعد لتقديم "الاتفاق الأخضر" الذي يطمح إلى تحقيق الحياد المناخي في القارة بحلول عام 2050، في وقتٍ تحذر فيه مرة أخرى بتشديد اللهجة من الوقود الأحفوري.
من ناحية أخرى، كانت دول أوبك وحلفاؤها تتباطأ في الاتفاق على خفض الإنتاج، ويبدو أن سعر البرميل، لا يلامس ذلك الشريط الرمزي البالغ 100 دولار في الوقت الحالي، ويستقر بشكل مريح عند قيمة تناهز 75 دولارا.
إلى أي حد يمكن الاعتماد على النفط؟
باتت بوادر الانتقال إلى الطاقة الخضراء تتجلى بوضوح أكثر من أي وقتٍ مضى، ففي فرنسا على سبيل المثال، توضح المناقشات مع مصنعي السيارات رغبة الحكومة في التحول عن تصنيع السيارات التي تعمل بمحركات الاحتراق، في المقابل، من الواضح أيضا مدى نقص البدائل الموثوقة اليوم.
لكن عند النظر إلى الصورة من مكان أبعد، ستؤكد مطالب الصناعة وارتفاع عدد الوظائف المعرضة للخطر والاندثار والمطالبة بالمساعدة المالية، أن الاقتصاد لا يزال يعتمد -إلى حد كبير- على النفط ناهيك عن تأثير ارتفاع الأسعار مؤخرا على القدرة الشرائية، ففي فرنسا على سبيل المثال، لن يكون ارتفاع سعر البرميل خلال هذا العام مختلفا عن الأسعار السابقة، التي شهدت تضخما فيما مضى.
أما الدول المنتجة للبترول، فلا يقل اعتمادها عليه عن الدول المستهلكة، لذلك لا ينبغي علينا سوى الاقتناع بأن انتعاش الأسعار سينقذ أولئك الأكثر هشاشة من مخلفات الوباء الذي يعد تأثيره كارثيا على الطلب.
أكثر ما يهدد النفط:
جميع التوقعات المتفائلة تتلاشى على خلفية التقرير الذي نشره خبراء شركة "وود ماكنزي". إذ أكدت بيانات الخبراء أنه سيبدأ الطلب على النفط في الانخفاض بحلول عام 2023. وبحلول منتصف القرن الحادي والعشرين، سينخفض بنسبة 70% مقارنة بالأرقام الموجودة اليوم. وبحسب الخبراء، سيتحقق هذا السيناريو إذا ما اتجهت الاقتصادات الرائدة بشكل حاسم نحو تحقيق أهداف اتفاقية باريس بشأن المناخ والتحول إلى الطاقة الخضراء.
في الحقيقة، تقوم الاتفاقية على مكافحة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بشكل فعال للحد من الاحترار العالمي، وبناء على ذلك، يتمثل التهديد وفقا للخبراء في كهربة النقل والصناعة، مما سيؤدي إلى تجاهل استخدام النفط من مجال الطاقة وتدمير السوق فعليا، وفي هذه الحالة، سينخفض سعر خام برنت بحلول عام 2030، ليتراوح سعر البرميل بين 37 و42 دولارا، بينما سيصل إلى 10 دولارات بشكل عام بحلول عام 2050.
مع ذلك، يرى مراقبون أن مثل هذه التوقعات بعيدة كل البعد عن الواقع، ففي الوقت الراهن، تنفرد وسائل النقل، بما في ذلك الطائرات والسيارات بنسبة 65% من الاستهلاك العالمي للوقود، ويعود السبب في ذلك إلى عدم تحول الطائرات بعد إلى مصادر الطاقة الخضراء، مما يعني وجود طلب على البنزين لفترة طويلة مقبلة. ومن جانبه، قال مؤسس علامة بينزا التجارية "ميخائيل كوليسنيكوف" إن "الانتقال سيحدث تدريجيا، بداية بالمركبات الخفيفة".
السوق لن تسمح للنفط بالانهيار:
يرى الخبراء أن السوق لن تسمح بانخفاض النفط إلى 10 دولارات للبرميل، وطالما استمر إنتاجه، ستكون هناك طرق لاستخدامه. فعلى سبيل المثال، يمكن استخدام النفط للتدفئة أو في إنتاج البوليمرات التي ستحل محل الفولاذ الإنشائي، أما بالنسبة لمصادر الطاقة المتجددة، فلا يُلبّي حجم الكهرباء المولدة على أساسها سوى 27% من حاجيات العالم.
التأثير الصيني موجود:
كانت الصين المحرك العالمي للطلب على النفط خلال العقد الماضي، وشكلت 44% من النمو العالمي في واردات النفط منذ عام 2015، عندما بدأت بكين في إصدار حصص استيراد لمصافي التكرير المستقلة.
وبينما يتوقع المحللون أن تظل أسواق النفط العالمية في حالة عجز هذا العام على الرغم من زيادة إنتاج أوبك+، فإن تحقيقات الصين حول تداول حصص واردات الخام، وما نتج عن ذلك من انخفاض مخصصات الواردات لمصافي التكرير المستقلة، قد أدى بالفعل إلى خفض الطلب من المجموعة التي توفر خمس واردات الصين.
وتراجعت واردات الصين من الخام في يونيو إلى أدنى مستوياتها منذ 2013، بعد أن فرضت بكين تشديداً على تجارة حصص الواردات في إطار حملة لتعزيز صناعة التكرير وخفض الانبعاثات.
قال متعاملون ومحللون إن العديد من المصافي الصغيرة لم تحصل على أي حصص في الدفعة الثانية التي صدرت في يونيو، بينما استخدمت أخرى بالفعل مخصصاتها بالكامل، وفق "رويترز".
ومن المتوقع أن تحتفظ مصافي التكرير المتبقية بأي حصص لديها للربع الرابع، عندما يبلغ الطلب على الوقود ذروته.
وذلك بينما لجأت الصين إلى سحب ملايين البراميل من النفط من احتياطياتها الاستراتيجية هذا الشهر، في خطوة غير مسبوقة لمحاولة إخماد التضخم الناجم عن ارتفاع تكاليف كل شيء من الغذاء إلى الوقود.