تستمر الصين في مساعيها الرامية لفرض السيطرة التجارية أينما أمكن لها ذلك منذ سنوات طويلة، ومن بين كل الاستثمارات التي توليها أهمية في منطقة الشرق الأوسط نجد أن مخططاتها الاستثمارية في العراق تحوز على مكانة خاصة، في مجالات مثل الطاقة وإعادة الإعمار وغيرها.
ويرى الخبراء أن هدف الصين الحقيقي في العراق هو إحياء مشروع "الحزام والطريق"، حيث يسعى العراق إلى أن يكون نقطة ربط رئيسية في طريق الحرير الجديد، ويخطط لتوسيع موانئه البحرية وتجديد خطوطه البرية، من أجل كسب مردودات إيجابية.
وتتركز أهمية العراق الاستراتيجية بالنسبة للصين من ناحية وجوده على رأس الخليج العربي، وما يمثله من حلقة وصل بين المنطقة العربية وجوارها الشرق أوسطي، مثلما يصل إيران ودول الخليج بأوروبا عبر تركيا، وهذا ما جعل الصين تصوّب سياستها نحو العراق لضمه إلى مشروع "طريق الحرير".
وتعتبر الشركات الصينية من أكبر مستثمري الطاقة في العراق، وهذا يرجع بالدرجة الأساس إلى الاحتياطيات الكبيرة الموجودة في هناك، بالإضافة إلى سهولة الاستخراج النفطي بالنسبة لتلك الشركات، كما يرى الباحث المختص في شؤون التجارة والنقل الدكتور "أحمد صدام عبد الصاحب".
ولإيضاح قوة الهيمنة الصينية في مجال الطاقة داخل العراق يكفي القول إن صادرات العراق من النفط الخام إلى الصين تقدر بنسبة 44% من إجمالي صادرات النفط، حسب بيانات موقع تتبع ناقلات النفط.
مشروع الحزام والطريق... القصة أكبر من الحصول على بعض النفط:
يعتقد الخبير الاقتصادي "عبد الحسن محيي الشمري" أن الصين تريد منافسة أميركا وأوروبا والسيطرة على العالم اقتصاديًا، باستخدام كتلتها النقدية الهائلة في مشاريع عملاقة وكبيرة لتوصيل بضاعتها إلى أوروبا بأقل التكاليف، وطريق الحرير هو الأفضل لتحقيق هذه الأهداف.
ويضيف الخبير في حديثه مع "الجزيرة نت" أن الصين تسعى لتكوين طرق سريعة تختصر المسافات والزمن وتقلل المخاطر، وبالتالي يعتبر العراق البلد المحوري في هذا الموضوع. وهذا يفسر الصراع الصيني – الأمريكي على العراق، وسعي الصين لجذب العراق للمشاركة في طريق الحرير، خصوصا أن ميناء الفاو الكبير هو المفصل الرئيسي في هذا المشروع.
ويرجح الخبير الاقتصادي أن البصرة هي مفصل رئيسي أفضل من دبي، ويؤكد ذلك تلك الحرب الشعواء بين الصين وأميركا وحلفائها على موضوع ميناء الفاو الكبير.
ويشدد على أن هدف بكين الرئيسي في العراق هو طريق الحرير، لأن النفط ممكن أن تأخذه الصين من أي دولة أخرى، بينما مشروع حزام الطريق سيقلل الكلف كثيرا على النقل وينعكس إيجابيا على السلع الصينية المصدرة إلى أوروبا وتكون المنافسة واقعية.
ويوضح الشمري أنه إذا ما تم طريق الحرير فإن البواخر الصينية تأتي إلى ميناء الفاو وتفرغ حمولتها وتنقل عن طريق السكك الحديدية الذي يسمى الميناء الجاف إلى البحر الأبيض المتوسط أو إلى تركيا، وهناك تنافس كبير بين الدول لجني ثمار هذا المشروع.
مكاسب ومخاطر:
يرى أستاذ الجغرافيا السياسية المساعد الدكتور "مثنى المزروعي" بأن إحياء طريق الحرير بدأت به الصين عندما أطلق الرئيس الصيني "شي جين بينغ" عام 2013 وأفصح عن إستراتيجية الحزام والطريق، وهذه الإستراتيجية هدفها الأساسي هو إحياء الطرق البرية والبحرية التي كانت تتخذها الصين ممرات للوصول إلى قارات العالم القديم آسيا وأفريقيا وأوروبا.
وفي حديثه مع "الجزيرة نت"، يرى "المزروعي" أن هذا المشروع مهم جدا وفيه فوائد اقتصادية كبيرة، إذا تم استثماره بطريقة ذكية ومن قبل إدارة نموذجية للحكومة العراقية، خصوصا إذا أنجز ميناء الفاو الذي سيعد حينها إنجازا كبيرا للحكومة.
وينقل عن دراسات وبحوث تقديرها بأن عائدات مشروع طريق الحرير تتراوح بين 20-60 مليار دولار سنويا، وهذا بالتأكيد سيرفع من قيمة الاقتصاد العراقي ويوفر فرص عمل ويقضي على البطالة والفقر، مستدركًا بأن المشروع يحتاج إلى سنوات وخطط عمل واسعة وأموال طائلة لجني ثماره.
وحول المخاطر المتوقعة من هذا المشروع، يقول "المزروعي" إن أموال المشروع إذا فقدت بسبب الفساد فهذا سيضع العراق في التزامات كبيرة جدا أمام الصين، وستكبل الاقتصاد العراقي بالديون ويخسر العراق كثيرًا بعد أن تضع الصين يدها بالكامل على المشروع.
ويحذر من أن واشنطن قد تحاول إعاقة دخول العراق ضمن المشروع الصيني، وستصنع الكثير من المشاكل للحكومة العراقية، وهذا بالتأكيد سينعكس على الداخل العراقي اقتصاديا وأمنيًا.
على كل حال الله يختار ما هو خير للعراق والدول العربية وطالما الفساد المستشري مازال موضع شك وموجود فعلى البلاد العربية والشعوب العربية كثير من الفقر والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وقليل جداً من السلام