تدهور متواصل بقوة الليرة الشرائية... ما معنى ذلك وكيف يحدث؟

11/10/2020

يتحدث الجميع مؤخراً عن تراجع القيمة الشرائية لليرة السورية، فالراتب الذي كان يكفي الموظف لشهر كامل أصبح الآن بالكاد يكمل معه أول أسبوع من الشهر. والأمر مرتبط بأسباب عديدة أهمها تدهور سعر صرف الليرة السورية أمام باقي العملات الأجنبية وعلى رأسها الدولار.

لكن وعلى عكس ما يعتقد البعض فتراجع القوة الشرائية لليرة السورية، ليس هو ذاته تراجع قيمتها في سوق العملات، وأقرب مثال ذلك أن العملة السورية وبالرغم من وصولها إلى حالة استقرار نسبي مؤخراً وحتى تحسنها بشكل ملحوظ أحياناً، إلا أن قيمتها الشرائية بقيت تتراجع بوتيرة ثابتة.

لذلك يجب علينا أن نفهم مصطلح "تراجع القوة الشرائية" جيداً قبل أن نتسرع ونربط الأمر برمته بأسعار الصرف، وذلك ما سنحاول شرحه في مقالنا هذا...

أولاً: تعريف مقتضب:

"القدرة الشرائية"، هي مصطلح يستعمل دوماً للتعبير عن حجم الاقتصاد الوطني ومدى قدرة الأفراد على التكيف مع مؤشراته. فعندما تكون القدرة الشرائية للعملة الوطنية مرتفعة، يعني أنّ المواطنين أو المستهلكين بالأحرى، يعيشون في بحبوحة اقتصادية، ولكن عندما تنخفض هذه القدرة الشرائية فهذا يعني أنّ ثمة أزمة اقتصادية تدقّ على الأبواب. وهي كمية السلع والخدمات التي يكون بمقدور فرد ما أن يشتريها بواسطة دخله المُتاح خلال مدة زمنية محددة.

ثانياً: كيف ولماذا تنخفض القدرة الشرائية لعملةٍ ما؟

نعلم جميعاً أن انهيار سعر صرف أي عملة أمام الدولار سيؤدي بالضرورة إلى انخفاض قيمتها عالمياً، وبالتالي انخفاض قوتها في المبادلات التجارية وتراجع الثقة بها وانخفاض قوتها الشرائية وما إلى هنالك من تداعيات عديدة يطول ذكرها، لكن توجد بالفعل أسباب أخرى مهمة تؤدي إلى انخفاض قوة العملة الشرائية ماعدا هذا السبب.

في غالب الأحيان، تنخفض القوة الشرائية للنقود عند قيام الدولة بطباعة المزيد من العملات النقدية الورقية وإنفاقها على مجالات غير إنتاجية (استهلاكية)، وهذا الإنفاق الاستهلاكي للدولة يمثل زيادة في الدخل النقدي من دون أن يقابل ذلك أي زيادة في إنتاج السلع مما يتسبب في ارتفاع الأسعار للسلع والخدمات ويؤدي إلى التضخم

فإذا حصل ارتفاع في الأسعار مثلا بينما بقيت الأجور ثابتة أو ارتفعت الأجور بمعدل أقل من معدل التضخم، فإن القوة الشرائية للمواطنين تكون حينها قد تآكلت وانخفضت القيمة الحقيقية لأجورهم. وبالمقابل فإنه حينما ترتفع الأجور بمعدل أكبر مقارنة بارتفاع الأسعار، ينتج عن ذلك تحسن في القوة الشرائية.

باختصار فإن تراجع الإنتاج على حساب إنفاق موارد الدولة في قطاعات استهلاكية فحسب، سيؤدي إلى تدهور قدرة العملة الشرائية، والتورط بالتضخم، وإذا لم يتم رفع الأجور والسيطرة على التضخم بشكل متزامن ستستمر القدرة الشرائية بالتدهور طالما استمر الاستهلاك على حساب الإنتاج.

وينطبق ما ذكرناه أعلاه على مشكلة الليرة السورية كذلك، فالدين الداخلي في سورية يزداد باستمرار، والقطاعات الإنتاجية غائبة عن الصورة تماماً، فهي لا تقدم أي دعم حقيقي للاقتصاد.

كل ذلك سيجعل من العملة في سورية ضحية للتآكل بسبب الاستهلاك، والدين الداخلي الذي تتورط به الدولة، بالإضافة إلى أن تقديم الدعم للمنتجات الأساسية، ما هو إلا التفاف على المشكلة الحقيقية، فكلما زاد الدعم في القطاعات الاستهلاكية انخفضت قيمة العملة في جيوب الناس، وكأنها طريقة أخرى لجعل المواطن يدفع بدون أن ينفق النقود كما يعبر بعض المطلعون.

شارك رأيك بتعليق

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات متعلقة: