المهاجرون العائدون إلى سوريا… خزان اقتصادي يجب استثماره

23/04/2025

تشهد سوريا في الآونة الأخيرة عودة متقطعة للمهجرين واللاجئين، وهي عودة يرى البعض أنها تسير بوتيرة مقبولة، في حين يعتبرها آخرون دون المستوى المأمول. وفي ظل هذا التباين في التقييم، تبرز الحاجة إلى بيئة ملائمة تضمن استدامة العودة وتعزز مساهمة المهجرين في إعادة بناء سوريا المستقبل.

وهكذا فإن استغلال اللاجئين السوريين العائدين كخزان اقتصادي ثمين يتطلب استراتيجية وطنية شاملة تستند إلى الاستثمار في رأس المال البشري، وتعزيز بيئة العمل، وتوفير البنية التحتية اللازمة. فيما يلي أبرز المحاور التي يمكن من خلالها تحويل عودة اللاجئين إلى فرصة اقتصادية حقيقية:​

1. الاستثمار في رأس المال البشري

يُعد اللاجئون العائدون من الدول المضيفة، خاصة من أوروبا، مصدرًا غنيًا بالمهارات والخبرات المكتسبة في مجالات متعددة مثل الهندسة، الطب، التعليم، والحرف اليدوية. يمكن توظيف هذه الخبرات في إعادة بناء القطاعات الحيوية في سوريا، مما يسهم في تسريع عملية التعافي الاقتصادي.​

2. دعم ريادة الأعمال والمشاريع الصغيرة

تشجيع العائدين على تأسيس مشاريع صغيرة ومتوسطة من خلال تقديم قروض ميسرة، وتسهيلات ضريبية، وبرامج تدريبية، يمكن أن يخلق فرص عمل جديدة ويعزز الاقتصاد المحلي. مثل هذه المبادرات تسهم في تقليل معدلات البطالة وتحفيز النمو الاقتصادي.​

3. تعزيز التحويلات المالية والاستثمار من المغتربين

تشجيع السوريين في الخارج على تحويل أموالهم واستثمارها في مشاريع داخل سوريا يمكن أن يوفر مصادر تمويل إضافية. تقديم حوافز مثل الإعفاءات الضريبية وتسهيل الإجراءات القانونية يمكن أن يعزز من حجم هذه التحويلات والاستثمارات.​

4. إعادة تأهيل البنية التحتية

توفير الخدمات الأساسية مثل الكهرباء، المياه، والصرف الصحي في المناطق التي يعود إليها اللاجئون ضروري لضمان استقرارهم وتمكينهم من المشاركة الفعالة في الاقتصاد. الاستثمار في البنية التحتية يعزز من جودة الحياة ويشجع على العودة المستدامة.​

5. تعزيز التعاون الدولي

التعاون مع المنظمات الدولية والدول المانحة لتوفير الدعم المالي والتقني يمكن أن يسهم في تنفيذ المشاريع التنموية وإعادة الإعمار. هذا التعاون يعزز من قدرة سوريا على استيعاب العائدين واستغلال إمكاناتهم الاقتصادية.​

قضية إنسانية بمفاعيل اقتصادية

يصف الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور إبراهيم نافع قوشجي أزمة المهجرين واللاجئين السوريين بأنها من أعقد الأزمات الإنسانية في العالم المعاصر، مشيرًا إلى أن نظام الأسد ترك وراءه إرثًا مثقلًا بالنزوح الداخلي واللجوء إلى دول الجوار (لبنان، الأردن، العراق، وتركيا) وكذلك إلى دول الشتات في أوروبا والعالم.

وأوضح قوشجي أن هذه الهجرة القسرية ولّدت آثارًا اجتماعية ونفسية واقتصادية عميقة، سواء على الأفراد أو على الدول المستضيفة، مما يجعل من معالجة هذا الملف أولوية إنسانية واقتصادية في آنٍ معًا.

الواقع القائم والتحديات الراهنة

في حديثه لصحيفة "الوطن"، استعرض قوشجي الأوضاع المزرية التي يعيشها العديد من المهجرين داخل سوريا، حيث ما يزال آلاف الأشخاص يقيمون في مخيمات تفتقر إلى مقومات الحياة الأساسية من خدمات صحية وتعليمية، في ظل غياب البنية التحتية.

أما في دول الجوار، فتتفاقم التحديات مع تزايد الضغوط السياسية والاجتماعية التي يتعرض لها اللاجئون، لاسيما في لبنان والعراق، حيث تعاني هذه الدول أصلاً من أزمات اقتصادية عميقة تؤثر على قدرتها في توفير الحد الأدنى من الخدمات.

وعلى المستوى العالمي، أوضح الخبير أن بعض اللاجئين تمكنوا من الاندماج وتحقيق الاستقرار، لكن شريحة واسعة منهم لا تزال تواجه أوضاعًا معيشية صعبة، تحت وطأة خطر الترحيل والتهميش والتمييز العنصري.

الإعمار: التحدي الأكبر

يرى قوشجي أن إعادة المهجرين إلى مدنهم وقراهم المدمّرة يتطلب مجهودًا هائلًا لإعادة الإعمار، وتوفير خدمات أساسية من مياه وكهرباء ومراكز صحية وتعليمية، بالإضافة إلى خلق فرص عمل تعزز من استقرارهم بعد العودة. ويضيف أن تكلفة إعادة الإعمار تتطلب تمويلًا ضخمًا واستثمارات طويلة الأجل، بالتوازي مع دعم نفسي واجتماعي للعائدين للتغلب على آثار الحرب الطويلة.

حلول اقتصادية مقترحة

قدم الدكتور قوشجي جملة من المقترحات لمعالجة قضية المهجرين، أبرزها:

  • إنشاء صندوق وطني لإعادة الإعمار بتمويل مشترك بين القطاع العام والخاص والمجتمع المحلي، بالإضافة إلى مساهمة المنظمات الدولية والمغتربين السوريين.
  • تحفيز المستثمرين على الدخول في مشاريع إعادة الإعمار من خلال حوافز مالية وضريبية، تتيح خلق فرص عمل في المناطق المتضررة.
  • إطلاق مشاريع صغيرة وتنموية في المناطق المستقرة لخلق حراك اقتصادي محلي يعزز من عودة المهجرين واستقرارهم.
  • توفير قروض ميسرة ودعم ريادة الأعمال، خاصة لمن فقدوا أعمالهم ومصادر رزقهم.
  • التركيز على إعادة بناء البنية التحتية، لا سيما في قطاعي التعليم والصحة، كأساس لعودة كريمة ومستدامة.
  • إدماج اقتصادي واجتماعي حقيقي للمهجرين من خلال برامج تدريب مهني، ودعم نفسي، ومبادرات مجتمعية تشجع على التفاعل والتكامل مع السكان المقيمين.

أفكار مبتكرة لتعزيز الاستقرار

من بين الأفكار التي يراها قوشجي ضرورية، استثمار الأراضي المهجورة في مشاريع زراعية مجتمعية قابلة للاستدامة، وتوفير عقود تضمن تسويق منتجاتها محليًا، بالإضافة إلى إنشاء مناطق اقتصادية خاصة تهتم بالطاقة المتجددة والزراعة العضوية، وتوفير بيئة عمل للمهجرين تسهم في تحقيق التنمية المحلية.

كما دعا إلى تطوير أدوات تمويل جماعية (Crowdfunding) لدعم المهجرين الراغبين في إطلاق مشاريع إنتاجية صغيرة، بالتوازي مع تعزيز التعاون بين السكان الأصليين والعائدين، سواء عبر مشاركة الموارد أو الخبرات.

نحو رؤية شاملة ومستدامة

ختم الدكتور قوشجي حديثه بالتأكيد على أن معالجة أزمة المهجرين السوريين تتطلب رؤية وطنية متكاملة، ترتكز على الاستثمار في رأس المال البشري، وتحفيز النمو الاقتصادي، وتفعيل التعاون الدولي. فحل هذه الأزمة لا يكمن فقط في توفير العودة، بل في ضمان عودة كريمة ومنتجة تساهم في بناء وطن ينعم بالاستقرار والعدالة.

شارك رأيك بتعليق

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات متعلقة: