اتفق أغلب الأهالي في مختلف الدول العربية على أن الأسعار شهدت تضاعفًا أو ارتفاعًا شديدًا قبيل قدوم شهر رمضان، وذلك بالرغم من أنها كانت تقبع بالفعل في مستويات مرتفعة للغاية.
يأتي ذلك، وسط تراجع الدور الحكومي بهذه الدول في مواجهة موجة الغلاء وغياب الرقابة على الأسواق، بالإضافة إلى إصدار قرارات فاقمت من الأعباء المعيشية للمواطنين ومنها تقليص الدعم وفرض ضرائب ورسوم جديدة.
بدايةً من سوريا:
يؤكد الأهالي أن مجمل الأسعار قد ارتفعت بين 30 و50% خلال شهر. ويرى الاقتصادي السوري "حسين جميل" أن الحكومة استيقظت بعد فوات الأوان، لأن حصر الاستيراد بالجهات الحكومية وبعض المتنفذين، أفقد ثقة قطاع الأعمال بالدولة، كما أن ملاحقة المستوردين وسجنهم وابتزازهم، حوّل البلاد إلى جزر منفصلة برأيه، ليبقى المستهلك ضحية الطرفين، الحكومة والقطاع الخاص.
ويضيف "جميل" في حديثٍ لصحيفة "العربي الجديد" أن ما تعانيه الأسواق من ندرة وارتفاع أسعار "ليس مفاجأة"، لأن الأزمة العالمية بواقع الحرب الروسية في أوكرانيا طالت سورية أكثر من غيرها، لأنها معاقبة ومحاصرة من جهة، ولأن روسيا هي الشريك والحليف الأول للحكومة السورية.
الأسعار في مصر تبتعد أكثر وأكثر عما تتحمل جيوب الناس:
تكاتفت في مصر العديد من الأسباب أدت إلى تحليق الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة، ومنها تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وتهاوي سعر الجنيه المصري مقابل الدولار.
وقفز سعر الدولار خلال الفترة الأخيرة من نحو 15.7 جنيهاً إلى أكثر من 18جنيهاً، ما دفع التجار في مصر إلى إعادة تسعير مختلف السلع وخاصة الغذائية، إذ تعتمد مصر في تلبية معظم احتياجاتها على الاستيراد من الخارج.
وأعلن الجهاز المركزي للإحصاء عن ارتفاع معدل التضخم السنوي في مصر ليبلغ 10 في المائة لشهر فبراير/ شباط الماضي، مسجلاً النسبة الأعلى منذ منتصف عام 2019، ومرجعاً الزيادة إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمشروبات بنسبة 20.1 في المائة، وعلى رأسها الخضروات والفاكهة والخبز والحبوب.
ويعزو الخبير في بورصة الدواجن "منير السقا" هذه الارتفاعات التي وصفها بالقياسية إلى ارتفاع سعر الأعلاف، بالإضافة إلى تراجع المعروض بسبب الجائحة الفيروسية التي ضربت معظم مزارع مصر، وأدت إلى نفوق من 30 إلى 40 في المائة من الإنتاج، بخلاف ارتفاع الطلب في مثل هذه الفترة من السنة مع دخول شهر رمضان.
الغلاء والندرة في تونس:
يلتقي الغلاء وندرة مواد أساسية قبيل رمضان في تونس، ما يزيد منسوب القلق لديهم من صعوبة تأمين وجبات شهر الصيام، بينما يتوسّع الفقر في البلاد ليشمل أكثر من 900 ألف أسرة أصبحت في حاجة إلى المساعدات الحكومية لتأمين الحد الأدنى من القوت.
وتعيش أسواق البلاد منذ فترة على واقع جديد لم يتعوّد عليه التونسيون، وهو نقص التموين بالمواد الأساسية، ولا سيما منها الخبز والدقيق والسكر والأرز، في وقت يواصل الغلاء زحفه مدفوعا بنسبة تضخم عالية تقترب من 7 بالمائة.
ولا يجد التونسيون حلولا هذا العام، غير الدخول في تقشف اضطراري والاكتفاء بوجبات غير مكلفة، في توجه نحو تغيير العادات الرمضانية التي تتسم بالتوسع الإنفاقي خلال شهر رمضان بسبب العزائم والجمعات العائلية.
ورغم أن التونسيين يواجهون الغلاء منذ سنوات، إلا أن رمضان هذا العام يعدّ الأصعب بالنسبة إليهم، بحسب تقييم المواطن حاتم السعيدي الذي يعتبر أن نقص التموين بمواد أساسية هو السمة الأبرز لشهر الصيام هذا العام.
يأتي ذلك بينما باتت الرواتب في تونس لا تكفي لأكثر من 10 أيام، نتيجة الغلاء وعدم قدرة السلطات على كبح الأسعار، لتصبح المعجنات هي الغذاء الرئيسي الأقل سعرا في تونس، وهو ما يفسر الإقبال الكبير على وجبات "المكرونة" والكسكسي والخبز، غير أن هذه المواد لم تعد متوفرة بالقدر الكافي ويزيد اختفاؤها صعوبات جديدة في حياة التونسيين المنهكين بالغلاء.
أهالي السودان في وضع يرثى له:
شهدت الأسواق السودانية ارتفاعاً في أسعار المواد الغذائية والفاكهة قبيل شهر رمضان مع ركود تام في الشراء وإغلاق بعض التجار متاجرهم خوفاً من الخسارة رغم وفرة المعروض، إلا أن عزوف المواطنين بسبب تدهور قدراتهم الشرائية شكّل هاجساً للتجار بسبب الغلاء الذي أرجعه البعض لرفع الدعم عن المحروقات والكهرباء ما زاد من تكلفة الأسعار والنقل.
وقد أرجع مواطنون الزيادات الكبيرة في الأسعار إلى سياسة الحكومة التي فرضت رسوماً كبيرة على التجارة، ما جعل البعض يزيد تلك التكلفة على أسعار البضائع في ظل عدم وجود رقابة حكومية.
وأطلق المجلس القومي لحماية المستهلك نداء للجهات ذات الصلة للتنسيق لوضع حلول عاجلة وآنية لضبط الاسواق وتحسين معاش الناس، كما دعت عضو مجلس السيادة في السودان "سلمى عبد الجبار" إلى تفعيل دور المجلس القومي لحماية المستهلك لتخفيف أعباء المعيشة في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة.
وتبنت الحكومة في موازنتها لهذا العام خيارات صعبة في تمويل الموازنة العامة للدولة، ولم تكتف برفع الدعم عن السلع الأساسية، بل عادت مجدداً لإرهاق المواطن عبر مدخل الرسوم والضرائب لسد العجز وتعظيم الإيرادات.
واستندت السياسة المالية الضريبية إلى قاعدة ضريبية يشكّل الفقراء فيها 80% من السكان، كما أن الزيادات الأخيرة في أسعار الوقود والكهرباء والخبز بمعدلات تتجاوز 500% تشير إلى الطبيعة التضخمية للسياسات المالية الحكومية التي تعتمد على اقتصاد الأجور المنخفضة في مقابل إلغاء الدعم ورفع الأسعار، حسب مراقبين.