حينما يصبح الأوكسجين تجارة... أزمة جديدة تلوح بالأفق

10/08/2020

أتي وقع فيروس كورونا المستجد ثقيلاً على العالم أجمع فلم تستطع أغنى الدول وأكثرها تطوراً أن تتجنب تداعيات هذا الفيروس أو تسيطر عليه بدون الإضرار باقتصادها والاضطرار إلى مواجهة أزمات مالية وديون عديدة، فإذا كان هذا وضع الدول المتقدمة والرائدة على مستوى العالم فما بالك بدولة منهكة ذات اقتصاد متهاوي كسورية...!

لن يكون من المستغرب أن تواجه سورية أزمة نقص في المعدات الطبية والأماكن الشاغرة في المشافي بسبب فيروس كورونا الذي استهانت به الحكومة السورية وعاملته حتى فترة قريبة كما لو أنه نزلة برد وليس فيروس أعجز العالم أجمع، لكن الغريب هو أن تتحول أبسط أدوات محاربة هذا الفيروس وهي أسطوانة الأوكسجين إلى تجارة، ليصبح سعر أسطوانة يتغير ويرتفع كما ترتفع مؤشرات الذهب أو العملات الصعبة، وذلك على مرأى ومسمع من الحكومة وباعتراف من إعلامها الرسمي.

أسطوانة الأوكسجين بنصف مليون ليرة والسعر قابل للزيادة:

نقلت إحدى الصحف السورية الحكومية عن أحد التجار أنه باع أسطوانة أوكسجين كان قد اشتراها ب 250 ألف ليرة لأحد المرضى بمبلغ نصف مليون ليرة، وهو نادم على استعجاله في بيعها حيث يمكن أن يصل سعرها إلى 700 ألف ليرة في ظل فقدانها من السوق وكثرة الطلب عليها في زمن الكورونا، وذلك في غياب أي رقابة حكومية تذكر وحالة ذعر شديدة بين الناس بسبب الانتشار المتسارع للوباء.

ويؤكد أحد العاملون في مراكز بيع وتعبئة أسطوانات أوكسجين بدمشق قائلاً: ارتفع سعر أسطوانة الأوكسجين خلال فترة العيد فقط من 200 ألف إلى 250 ألف ليرة والسبب الأساسي هو زيادة الطلب الكبير على شراء الأسطوانات من قبل المواطنين، في حين أن أغلب المراكز والمستودعات استنفدت بضاعتها.

وأضاف: جميع أسطوانات الأوكسجين المباعة مستوردة من الصين وتقتصر تعبئتها محلياً بالأوكسجين وما حدث في تفجير لبنان وتأثّر المرفأ بذلك أخّر وصول كميات مستوردة من الصين، ما سبب شبه نفاد في الأسطوانات بالسوق وجعل أغلب التجار يستغلون ذلك لرفع أسعارهم.

الجدير بالذكر أن سعر أسطوانة الأكسجين قبل انتشار الوباء في سورية كان لا يتجاوز 50 ألف ليرة، بسبب الطلب القليل المقتصر على المشافي والمراكز الطبية، أما حالياً فيبيع أحد المراكز فقط أكثر من 100 أسطوانة في اليوم الواحد، إذ يمكن أن يشتري الشخص الواحد أسطوانتين أو ثلاث.

ثقل الأزمة لا يلام عليه التجار فحسب، بل إن الأمر يتعلق بمنظومة صحية غير واضحة وإهمال حكومي ملحوظ:

من المفترض أن أسطوانة الأوكسجين هي من معدات المشافي والمراكز الصحية، فليس منطقياً أن ننتظر من كل مريض أو كل شخص يخشى من المرض أن يشتري أسطوانة أوكسجين ويضعها في بيته وكأنها من معدات الإسعاف الأولية المنزلية، فحين تصبح أسطوانة الأوكسجين في متناول يد المشفى والطبيب الذي يعرف متى يجب استعمالها، ستخف حركة الاحتكار وسيضمن المواطن المريض أنه يستطيع الذهاب للمشفى ويجد أدوات كافية لإسعافه فلا يهلع إلى حضن تجار الأزمات.

لكن الواقع ليس كذلك، يقول الدكتور "محمد المحاميد" في مشفى الأسد الجامعي: لا أستطيع أن أنصح المواطن وأقول له لا تشتري أسطوانات أوكسجين فقد يحتاجها ولا أقول له اشتري فقد لا يحتاجها، كل ذلك يعود لمشيئة الله ولرد فعل الجسم المناعي، فمن كل 100 مريض هناك 20 مريضاً بحاجة إلى منفسة إذا كان المرض مستفحلاً. ومن كل 100 مريض هناك واحد بحاجة إلى منفسة إذا كان المرض خفيفاً، مشيراً إلى انه لو كان يوجد منظومة صحية جيدة ضمن المشافي تستوعب المرضى لما اضطر المريض لشراء الأسطوانات، لكن الخوف من عدم تأهيل المشافي يجعل المواطن متأهباً لحدوث أسوأ الحالات.

أما الحكومة فهي وفقاً لمراقبون – كالعادة – تغرد خارج السرب ولا تملك أي نظرة واضحة أو استراتيجية عملية للتعامل مع الأزمة، فالمشافي لا تستوعب المرضى والمواطن يقع ضحية جشع ضعاف النفوس والجهات الحكومية تراقب وتستنكر بدون القيام بأي إجراءات مفيدة وكأنها خارج الصورة ولا يعنيها الأمر.

شارك رأيك بتعليق

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات متعلقة: